هناك سؤال يحتاج طرحه الآن الى بعض الجرأة، بينما تستعد الرئاسة الفلسطينية في اواخر هذا الشهر لتقديم طلب الى الأممالمتحدة لرفع مستوى تمثيلها في المنظمة الدولية من وضعية «بعثة المراقبة الدائمة» الى وضعية «دولة مراقبة غير عضو». السؤال هو: هل يستحق كسب هذه الصفة الجديدة، اذا تم، المعركة الديبلوماسية التي تخوضها السلطة الفلسطينية حالياً مع الولاياتالمتحدة ومع عدد من الدول الاوروبية؟ ما هو الجديد الذي ستضيفه هذه الصفة الى وضع الفلسطينيين وكيف يمكنها ان تحسّن من معاناتهم تحت الاحتلال وأن توقف الاعتداءات الاسرائيلية عليهم؟ ثم، وهذا الاهم: هل هذه القضية هي الآن على رأس اولويات الفلسطينيين؟ أي: هل يصحو الفلسطيني، سواء كان في الضفة أو غزة، أو في الشتات الفلسطيني وهو يفكر كل صباح: همّي اليوم الحصول على صفة الدولة المراقبة وغير العضو في الاممالمتحدة؟! معروف ان السلطة الفلسطينية فشلت في العام الماضي في طلبها بانضمام فلسطين كعضو كامل الى الاممالمتحدة. وبسبب ذلك تراجع الطلب هذه السنة الى ما هو عليه اليوم، وهو سيشبه اذا حصل عليه الفلسطينيون وضعية دولة الفاتيكان في الأممالمتحدة! هل يعتقد أحد ان الفاتيكان تكسب نفوذها الدولي، اذا كان لها نفوذ، من كونها دولة مراقبة وغير عضو في الاممالمتحدة، ام من الرمزية الدينية التي تمثلها لدى من يعتقدون بهذه الرمزية ومن هم مستعدون لاحترامها؟ لقد كان الفاتيكان على هذه الوضعية عندما طرح ستالين سؤاله الشهير: كم لدى البابا من دبابات؟ القضية اذن لا تقدم ولا تؤخر ولا تزيد أي مكسب الى الفلسطينيين، بل على العكس ستفتح في وجههم معركة ديبلوماسية لا حاجة لها مع بدء الولاية الثانية للرئيس اوباما الذي ابلغ الرئيس محمود عباس صراحة ان السير في الطلب الفلسطيني ستكون له عواقب سياسية ومالية، من اهمها احتمال قطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية وامكان اغلاق المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير في واشنطن. اضافة الى ذلك هناك تهديد الاتحاد الاوروبي بقطع تمويل السلطة الفلسطينية. ومعروف ان الاتحاد يوفر جزءاً مهماً من موازنة السلطة التي تعاني اصلاً من العجز. ولا حاجة للحديث بالطبع عن التهديدات الاسرائيلية، لأن اسرائيل لا تحتاج اصلاً الى تبريرات لتهدد الفلسطينيين. يقول المسؤولون في السلطة الفلسطينية انهم يتقدمون بطلبهم الى الأممالمتحدة بهدف تكريس حقهم في اراضي الدولة الفلسطينية على حدود 1967 ولتحويل هذه الاراضي من اراض متنازع عليها الى وضعية دولة تحت الاحتلال، وكذلك لمواجهة النشاط الاستيطاني المتفاقم على اراضي الضفة الغربية فضلاً عن التهويد المتمادي لمدينة القدس. غير ان وضعية الضفة الغربيةوغزة كأراض محتلة محسومة اصلاً بحسب توصيف قرارات مجلس الامن الدولي، وعلى الاخص القرار الشهير رقم 242 الذي اكد عدم جواز احتلال الاراضي بالقوة. اضافة الى ان السياسات الاميركية والاوروبية لا تعترف اصلاً بشرعية اقامة المستوطنات على الاراضي المحتلة ولا بتغيير معالم هذه الاراضي، كما ان الادارات الاميركية المتعاقبة رفضت كلها الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل. اضافة الى ذلك لا يوجد عاقل يمكن ان يقتنع بأن حصول الفلسطينيين على هذا المكسب الجزئي والرمزي سيوقف الاستيطان اليهودي. لقد هددت السلطة الفلسطينية في السابق بوقف التفاوض مع اسرائيل اذا لم توقف الاستيطان. وتوقفت المفاوضات بالفعل لكن نتانياهو استغل ذلك لفرض حقائق جديدة على اراضي الضفة الغربية وفي القدس من خلال توسيع المستوطنات. الاولوية الآن بالنسبة الى الفلسطينيين والهمّ الذي يجب ان يقلقهم، قيادات ومواطنين، هو هذا الانقسام المعيب المستمر بين «دولتي» رام اللهوغزة، حتى صار الحديث عن «حل الدولتين» أمراً واقعاً، ولكن بأيد فلسطينية وعلى ارض الدولة الفلسطينية. من المخجل ان تقوم «حكومة حماس» في غزة بتقديم شكوى الى الاممالمتحدة ضد الاعتداءات الاسرائيلية الاخيرة على القطاع، في تكريس واضح امام المجتمع الدولي لوجود «دولتين» في فلسطين، واحدة تشكو وأخرى تتفرج! لم تخطىء قيادة «حماس» هذه المرة عندما وصفت سير السلطة في طلب العضوية الفخرية في الأممالمتحدة بأنه اضاعة للوقت. انه فعلاً كذلك. والاجدى ان يتجه الفلسطينيون الى ترتيب بيتهم الداخلي قبل استجداء اعترافات خارجية.