تنتمي الشخصيات الرئيسة التي ستنضم إلى رأس هرم المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، إلى الجيل الذي تلقى الضربات أثناء الصدامات العنيفة خلال «الثورة الثقافية» (1966-1976). ثمة أفراد بين هذه الشخصيات يتلقون نصحاً طيباً، لكن هناك أيضاً كل أنواع الذين يقدمون القوة على أي اعتبار آخر، وهم مستعدون للقيام بكل ما يمكن تصوره من اجل الإثراء. نحن نتجه إذاً صوب سياسة اكثر «شللية» وأقسى عنفاً. انتهى زمن الخطابات الجوفاء وإبداء الكياسة أمام المدعوين الأجانب، فهؤلاء الأشخاص سيبدون أكثر تصلباً في المفاوضات. في ما يتعلق بالتحكيم بين الفصائل في المكتب السياسي، معروف أن كلاًّ يبدي رأيه، لكن التصويت لا يجري دائماً على هذه الآراء. ويتدخل كبار الحزبيين القدامى، كالمسؤول الأول السابق جيانغ زيمين، للحد من الشطط، لكن من غير المؤكد أن تظل التقاليد السياسية صارمة إلى هذا الحد، نظراً إلى المصالح المطروحة على الطاولة. ويبدو أن اختيار الزعيم المقبل للحزب سي جيبنغ، جاء نتيجة نقاشات بين كبار القادة السابقين «القدامى»، تحديداً بين جيانغ زيمين وزنغ كنغهونغ وزو رونجي، ثم أُجري اقتراع شكلي جداً بين أعضاء المكتب السياسي، ثم استفتي عليه أثناء اجتماعات دعي إليها فجأة. وهناك اتجاهان عريضان، فالسلطة منقسمة بين رجال جاؤوا من «رابطة الشبيبة الشيوعية»، ومن بينهم الزعيم المنتهية ولايته هو جينتاو، وقد ألِف هؤلاء ممارسة السلطة داخل البلاد. أما الاتجاه الثاني فيتألف من «عصابة شنغهاي» والصين الساحلية، التي ينتمي اليها جيانغ زيمين وسي جيبنغ. عضو المكتب السياسي بو كسيلاي سقط ضحية تطهير، وهو شخص لامع، نوعٌ من «ذَكَر مسيطر» بين النساء، يختلف اختلافاً جذرياً عن نظرائه، ويتكلم الإنكليزية أفضل منهم، ويتمتع بروح حيوية، على خلافهم. وفي حال جرى ضمه إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، سيصبح سريعاً مرشحاً جدياً إلى السلطة العليا. ووراء إقصائه تكمن في محاولته القضاء على نفوذ سي جيبنغ. وبما أن الجميع فاسد، لم يكن صعباً استغلال هذه الذريعة لتنحيته. والصراع على السلطة سمة ثابتة في النظام الصيني. ولم يتغير شيء منذ عهد ماو تسي تونغ، حيث كانت السلطة «موزعة على فصائل»، وكانت الصراعات بين الجماعات قاسية جداً، لذا لم تكن سيطرة ماو كاملة في أي يوم. ومنذ 1979، اضطر دنغ كسياوبنغ إلى اعتماد المناورة بين الفصائل لفرض إصلاحاته. تحسن الوضع قليلاً بعد وفاته في 1997، لأن عوائد المال هدّأت الأمور. ولكن، اليوم عادت المواجهات لوقوف الصين أمام خيارات اقتصادية حاسمة. ويتعين الاختيار بين الاستمرار في تفضيل التصدير، بالتالي الاستمرار في حصول الصين الساحلية على الامتيازات، أو الإعلاء من شأن الاستهلاك ضمن سياسات اجتماعية، عندها ستتميز الصين الداخلية، الأقل تطوراً. تملي المصالح الشخصية الأحكام في هذا المجال عموماً، خصوصاً أن المال موجود بكثرة في البلاد، ما يعني أن الوصول إلى السلطة يساوي جني ثروة طائلة. ورأينا ذلك بعد الكشف الشهير عن الثروات الأسطورية لعائلات رئيس الوزراء ون جياباو وللزعيم المقبل سي جيبنغ ولبو كسيلاي. وتجاوزنا تماماً تقاليد الأرستقراطية الفرنسية المنهارة في القرن الثامن عشر، فالاقتصاد بين يدي السلطة بالمعنى الحرفي للعبارة، ما يعني أن الفصائل مهيمنة على المستوى الوطني وفي المقاطعات، وما من أحد يتردد في الاستفادة من ذلك. وفي سعينا إلى تعريف هذا النظام، يمكن القول إنه حكم تسلطي مطلق ونفعي جشع، الذي يمارس رأسمالية الحزب. الحد الوحيد للسلطة هو حسن أداء الاقتصاد. والحد هذا صلب، يحظى غالباً بالاحترام. أما عواقب الديكتاتورية على الاقتصاد، فيمكن تلخيصها بأن العديد من البلدان لا يلقي بالاً إلى اتساع المشكلة، لكن ينبغي إدراك أن ليس لدى الصين سلوك دولي واضح الملامح حتى الآن، فهي لديها سياسة إقليمية تصر عبرها على فرض هيمنتها على الدول المجاورة. وتلاحق الصين المواد الأولية، وتسعى إلى التمتع بالاحترام في العالم، على غرار ما كانت الإمبراطورية الصينية. رغم كل ما تقدم، لا نعلم الشيء الكثير عن الوجهة التي تمضي الصين إليها، وتجري الأمور كما لو أنها لم تحدد بعد مفهومها للنظام العالمي. وهذه الصعوبة التي تواجهها بكين صاغت سياستها الدولية طوال الأعوام العشرة الماضية. وثمة شك ضئيل في ألا تظل السمة العامة تسلطية، لكن واقعية، ومن غير المرجح أن ينقلب التنافس بين الصين والولايات المتحدة -على سبيل المثال- إلى حرب، بسبب اعتماد كل منهما الكبير على الأخرى. ولن يتحول هذا النظام إلى الديموقراطية، ولكن من غير المحال أن يخفف بطشه ووطأته (على المجتمع الصيني). * باحث في الشؤون الصينية، عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 4/11/2012، إعداد حسام عيتاني