خلال حلقة هادئة من حلقات برنامج «يا هلا» المميز في قناة روتانا خليجية، تم طرح قضية المتخلفين من الحجاج والمعتمرين كواحدة من القضايا المهمة، والهموم الوطنية التي ينشغل بها هذا البرنامج الكاشف لكثير من التشوهات في الوجه السعودي، وكعادة مقدم البرنامج الاستاذ علي العلياني، الذي يتميز بالهدوء والاستماع للضيف من دون مقاطعة تحيل البرنامج إلى خصام وصياح وتغير النقاش إلى «اتجاه معاكس» ورأي مشاكس، تم طرح مقترح لحل مشكلة المتخلفين والمخالفين، وتم تجيير حقوق الحل الفكرية لبرنامج «يا هلا». المقترح بسيط وعملي وسريع وفعال، خصوصاً أن معالجة موضوع مراقبة ومعاقبة المتخلفين والمخالفين، الذين يشكلون العمالة السائبة، عادت إلى وزارة الداخلية بعد هجرة محلية غير موفقة إلى وزارة العمل دامت سنوات، هذا المقترح مطروح للمعنيين في وزارة الداخلية، ويتلخص في أن تدفع الحكومة مبلغ 1000 ريال لكل مواطن يُبلغ عن وافد غير قانوني إلى السلطة الرسمية، وسنحاول في هذا المقال التوسع قليلاً في تفاصيل الحل. قبل الدخول إلى معمعة المتخلفين، والعمالة السائبة، وغير القانونية، يجدر التنويه إلى أن نقد الخدمات التي تُقدم للمواطن، وعرض المشكلات التي يواجهها المجتمع، والتشوهات التي تفسد جمال الوجه السعودي في الإعلام المقروء والمكتوب والمرئي، سبّب حالاً يمكن أن نطلق عليها «حال التطعيم والتحصين»، بمعنى أن سقف مساحة الحرية العالي والواسع، وازدياد وتيرة الأخطاء، مع زيادة وعي المواطن، أدى إلى طرح الكثير من أخطاء الوزارات والإدارات الخدمية على الرأي العام وتشريحها، ما خلق حالاً من اللامسؤولية «اللامبالاة» لدى بعض المسؤولين، وكأن تلك الطروحات، وذلك النقد المتكاثر، تحول إلى مصل اللقاح أو التطعيم لتحصين الجسم - الذي يؤخذ عادة من أصل المرض - ويمنح الجسم مناعة ضد المرض، فبدلاً من تفاعل المسؤول والاعتذار، ومحاسبة المتسبب، وشكر الكاتب، أو الناقد، أو الجهة الإعلامية، تجنح تلك الوزارات والإدارات ومسؤولوها إما إلى الصمت، أو إلى لغة تبريرية «تزيد الطين بلة»، ولذا أصبح من المطلوب كتابات وبرامج تستفز فكر وعقل وعضلات وأعصاب المسؤول لكي يتحرك ويتجاوب. عوداً إلى موضوعنا، ينقسم المخالفون إلى أربع مجموعات رئيسة: الأولى: الذين وصلوا المملكة بتأشيرة حج، أو عمرة، أو زيارة للمسجد النبوي الشريف، وتخلفوا عن المغادرة، ويطلق عليهم «المتخلفون»، الثانية: الذين دخلوا إلى المملكة بتأشيرة عمل، لكنهم إما يعملون في مهن غير ما هو مبين في التأشيرة، أو الإقامة، أو تصريح العمل، أو لا يعملون لدى كفلائهم، وهؤلاء هم «غير النظاميين»، الثالثة: الذين دخلوا إلى المملكة بتأشيرة مرافقين، أو زيارة للأهل، أو زيارة عمل، أو زيارة تجارية، ولا تسمح لهم تلك التأشيرات بالعمل في المملكة، ويمكن أن نطلق عليهم «المخالفون»، أما المجموعة الرابعة: فهم الذين دخلوا إلى المملكة عن طريق التسلل عبر الحدود، ويطلق عليهم «المتسللون»... المجموعات الأربع تندرج جميعاً تحت «المخالفين» من الناحية القانونية، وتختلف العقوبات من مجموعة إلى أخرى، وتجتهد وزارة الداخلية ووزارة العمل في معالجة أوضاعهم القانونية بين كل فترة وأخرى، لكن المشكل يتعقد. تقدر أعداد المتخلفين بنحو مليونين من جنسيات متعددة، ويتم ترحيل مئات الآلاف سنوياً، لكن «الماء زاد على الطحين»، كما يقول المثل الشعبي، أما مخالفو أنظمة العمل والمتسللون فيقدرون بنحو ثلاثة ملايين عامل، وينقسمون إلى ثلاث فصائل، الفصيل الأول: يعملون لدى الكفيل ذاته في مهن غير ما هو مبين في تأشيرة العمل أو الإقامة، أو تصريح العمل، أو ما استقدموا من أجله؛ الفصيل الثاني: الذين يعملون لدى غير كفلائهم بطرق ملتوية ومتعددة؛ أما الفصيل الثالث: فهم الذين يعملون بشكل مستقل، وهو ما يطلق عليهم «العمالة السائبة»، وهم يشكلون الغالبية العظمى، مضافاً إليهم معظم «المتخلفين»، والهاربين من العمالة المنزلية. إذن، نحن أمام رقم قد يصل إلى خمسة ملايين وافد مخالفين للقوانين والأنظمة والتعليمات، يتجهون جميعاً إلى سوق العمل، شوهوا الأماكن العامة، وأرهقوا سوق العمل، وأطاحوا بالجودة في الحضيض، واستهلكوا الخدمات العامة، وزحموا الطرقات والشوارع، وأنشأوا اقتصاداً أسود، وحوّلوا بلايين الريالات إلى بلدانهم، وخلقوا صناعة وتجارة طفيلية لها روادها ومروجوها، ومن يحمونها ويدافعون عنها بشكل مباشر أو غير مباشر، بمعنى آخر «أكلوا ما كان وضيقوا المكان»، إضافة إلى الكثير من التجاوزات الأمنية، من ناحية أخرى، هناك من يحمي ويدافع عن تلك العمالة غير القانونية مثل: - بعض المقاولين والتجار المستفيدين من تلك العمالة الرخيصة. - قنصليات وسفارات الدول التي يتبع لها أولئك. - منظمات وهيئات وجمعيات حقوق الإنسان التي، في بعض الأحيان، «تهرف بما لا تعرف». - مجلس الشورى، الذي لم يتصد بشكل حازم وحاسم، فساعد في تفاقم المشكل، فما الحل إذن؟ الحل بسيط، ولا نقول سهلاً، أولاً: أن تتخذ وزارة الداخلية قراراً صارماً يخص كل من هو غير نظامي بالترحيل فوراً وخلال ثلاثة أيام، وبما أن وزارة الداخلية أعلنت على لسان وزيرها الراحل، الأمير نايف بن عبدالعزيز، يرحمه الله، أن المواطن هو رجل الأمن الأول، فليساعد المواطنون في أمر البحث والتبليغ عن المخالفين والمتخلفين وغير النظاميين، وتسليمهم إلى جهة معنية ومعينة، شريطة أن يمنح كل من يسلم مخالفاً مبلغاً لا يقل عن 1000 ريال عن كل شخص، على أن تحدد الداخلية معايير التثبت من المخالفين، ثانياً: يتم إشعار جميع القنصليات والسفارات بمنطوق القرار الجديد، وأن ممثلية الدولة مسؤولة عن رعاياها وعن حقوقهم المالية والمعنوية بعد ترحيلهم، ثالثاً: تقوم وزارة الداخلية باعتماد رخصة العمل كأساس لهوية العامل ووضعه القانوني، وليس الإقامة، كما جرت عليه العادة، المعلومات المبينة في الإقامة لا تكفي لتحديد المخالف، كما أن رخصة العمل لا يمكن إصدارها إلا بعد تجديد الإقامة، وثيقة الإقامة تمنح لكل من يقيم بشكل نظامي، مثل المرافقين، والعمالة المنزلية، ولكن لا يصرح لهم بالعمل، اعتماد رخصة العمل سيمكن من حل نصف مشكل العمالة السائبة. نشير هنا، إلى أنه من الأهمية بمكان منح العمالة المنزلية رخص عمل للتثبت والتخفيف أيضاً من هروب العمالة المنزلية. قد يسأل سائل: من أين نأتي بالأموال لدفع 1000 ريال عن كل وافد متخلف، إذا كان العدد المذكور أعلاه يقارب خمسة ملايين ريال؟ وعلى رغم أن كامل المبلغ يعتبر ضئيلاً نسبة إلى ما تسببه تلك العمالة غير القانونية من سلبيات، إلا أنه يمكن تأمين الأموال من ثلاثة مصادر، الأول: من عوائد الرسوم التي تتقاضاها، أو ستتقاضاها وزارة العمل، من رسوم التأشيرات، وتعديل المهنة، ونقل الكفالة، وتصحيح الوضع القانوني، التي ترصد في حساب صندوق تنمية الموارد البشرية، المصدر الثاني: المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من فائض تأمين الحوادث «2 في المئة» الذي يقتطع من العمالة الأجنبية، وغادروا ولم يتم استهلاك تلك المبالغ، خصوصاً أن التأمينات هي المستفيد الأول من زيادة رواتب العمالة الوافدة النظامية، ومن توطين الوظائف، الذي سيتنامى بشكل كبير بعد خروج العمالة السائبة، المصدر الثالث: حصيلة العقوبات التي فرضها النظام ضد المتسببين في بقاء العمالة الوافدة بطرق غير قانونية. أخيراً: نود أن نشير إلى أن الحل أعلاه طارئ وعاجل، يخدم على المدى القريب فقط، ولا يغني عن استصدار قرارات أخرى للمدى المتوسط والبعيد، لكن من أهم مزايا الحل أنه يخلق شراكة بين المواطن والجهات الرسمية، كما يشعر المستفيدين داخل المملكة وخارجها أن الأمر جاد. * باحث سعودي. [email protected]