دخلت أزمة الدستور في مصر مرحلة حاسمة مع اقتراب تصويت أعضاء الجمعية التأسيسية على مسودة خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر، حسب تصريحات لأعضاء فيها، فيما شدد الرئيس محمد مرسي خلال لقائه قوى سياسية على ضرورة الإسراع في الانتهاء من عملية صياغة الدستور الجديد، معتبراً أن «التوافق على نحو 70 أو 80 في المئة من مواده يكفي». وبدأ القضاة في اتخاذ خطوات للتصعيد ضد الجمعية التأسيسية، فأصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً أعرب فيه عن رفضه مسودة الدستور على اعتبار أنها «تنتقص من صلاحيات القضاء العادي والنيابة العامة، وتنال من استقلالهما وتوجد ازدواجية لا مبرر لها مع جهات أخرى». وسيعقد «نادي قضاة مصر» جمعية عمومية طارئة غداً للبحث في اتخاذ موقف إزاء مسودة الدستور. ودعا ناشطون إلى الاعتصام أمام مقر الجمعية من أجل منع أعضائها من الدخول والحيلولة دون استكمال عملهم والتصويت على مسودة الدستور. وسجل بطريرك الأقباط الجديد البابا تواضروس الثاني موقفاً لافتاً بأن أكد رفضه تحويل مصر «دولة دينية» في الدستور الجديد. وقال: «لو تم تقديم دستور جيد، يجد فيه كل إنسان نفسه، فستتقدم مصر بلا شك كثيراً... أما لو خاطب الدستور جزءاً من الشعب وأهمل جزءاً آخر، فسيرجع هذا بالوطن إلى الوراء». وعندما سئل عما سيفعله إذا امتلأ الدستور بمواد تتحدث عن المرجعية الإسلامية، أجاب: «سنعترض». لكنه أشار إلى أنه «ليس دور الكنيسة أن تدعو إلى تظاهرات أو إضراب عام». وقال البابا في مقابلة مع وكالة «رويترز» إن الدستور الجديد «يجب أن يكون شاملاً ويعبر عن كل المصريين، والكنيسة ستعارض أي دستور يخاطب قطاعاً واحداً من الشعب المصري... الدستور الجديد (يجب أن) يجعل مصر وطناً مدنياً عصرياً. جمال المجتمع المصري أن المسلم جنب المسيحي والتنوع قوة والتنوع جمال، وهذا يجب أن ينعكس في الدستور». وأكد البابا أن «الكنيسة لا تلعب دوراً سياسياً على الإطلاق لأن الدين والسياسة لو اجتمعا يضيعان ويفسدان بعضهما بعضاً. الدين أمر يخص السماء والسياسة أمر يخص الأرض، لو جمعتهما سوياً تصنع خلطة ضيعت الدين وضيعت السياسة». ولفت إلى «وجود تطور في المجتمع، والكنيسة تشجع على أن الإنسان كمواطن مصري يجب أن يبحث عن حقوقه وينبغي أن يؤدي واجباته... أنا أحفز أبنائي على المشاركة في الأحزاب وفي التعبير عن الرأي وفي الأسر الجامعية في الكليات والجامعات وأن يندمجوا في المجتمع». وكان مرسي التقى مساء أول من أمس عدداً من الناشطين وممثلي القوى السياسية بينهم القيادي في حزب «التيار الشعبي» محمد القصاص والخبير السياسي محمد السعيد إدريس ورئيس «الجمعية الوطنية للتغيير» عبدالجليل مصطفى وعضو «الجبهة الوطنية لحماية الثورة» أحمد إمام والقيادي في «الإخوان المسلمين» محمد البلتاجي والقيادي في حزب «الوسط» الإسلامي عصام سلطان. وحضر اللقاء الذي بحث في قضايا عدة أبرزها أزمة الدستور، مساعد الرئيس باكينام الشرقاوي ومستشارو الرئيس سيف عبدالفتاح وسكينة فؤاد ومحيي حامد وأيمن علي وبسام الزرق وأيمن الصياد ومحمد فؤاد جاد الله. وروى أحمد إمام أن اللقاء بدأ بتأكيد مرسي أن هذا الحوار ليس بديلاً من الجمعية التأسيسية وأنه لن يضغط على الجمعية لأن ذلك ليس من سلطاته ولن يتدخل في عمل الجمعية وسيكتفي فقط برعاية التوافق، مؤكداً أن هناك حاجة ملحة لأن تنتهي تلك الجمعية من وضع الدستور في أقرب فرصة لأنه «لن يساعدنا أحد من دون الانتهاء من وضع الدستور». وأضاف إمام أن سلطان اعتبر أن كل ما يدور في شأن المادة الثانية مزايدات، وأن القصاص أكد ضرورة تضمين الدستور مادة تتحدث عن العزل السياسي لرموز الحزب الوطني ومادة عن العدالة الانتقالية ومادة عن محاسبة الفاسدين. وأضاف: «قلت إنني كنت معترضاً على تشكيل الجمعية التأسيسية وزاد اعتراضي بعد قراءة مسودة الدستور، إلا أنني أرى أننا فقدنا فرصة تشكيل جمعية تأسيسية متوازنة بسبب حال الاستقطاب التي شقت المجتمع، وخاطبت الرئيس قائلاً: لو اتخذت قراراً بحل الجمعية لن تستطيع أن تشكل جمعية توافقية لأن كل الأطراف تتوهم أنها الأقدر، فالسلفيون والإخوان يعتقدون أنهم يستطيعون تمرير الدستور كما مرروا الاستفتاء على التعديلات، والمدنيون يعتقدون أنهم سيحشدون كل من لم ينتخبك ليقول لا في التصويت على الدستور، والطرفان واهمان لأن الناس كفرت بهم جميعاً كما أنك أنت أيضاً في خطر لأنك بدأت تفقد الناس». واقترح إمام التصويت داخل الجمعية التأسيسية بنسبة 67 في المئة على الأقل على أن يتم التوافق على الحد الأدنى على المواد التي لا تحظى بتلك النسبة، وأن يتم استبعاد كل المواد المثيرة للجدل، على أن ينص في الدستور على أن مدة العمل به خمس سنوات فقط يتم في نهايتها انتخاب جمعية تأسيسية لكتابة دستور دائم لطمأنة الجميع. وأوضح أن مرسي رد بأنه «ليس من الضروري النص على أن الدستور موقت لأن ذلك يثير مخاوف، ويكفى أن نصنع دستوراً بتوافق 70 في المئة أو 80 في المئة طالما لن نستطيع أن نتوافق على كل المواد». وأوضح القصاص أن «البعض اقترح إصلاحاً وليس حل الجمعية التأسيسة للدستور وأن الرئيس رد بأنه يرعى الحوارات والتوافق حول الدستور فقط، ولن يتدخل في عمل الجمعية». أما نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، عصام العريان فقال إن «الشعب المصري سيرى خلال أيام تصويتاً توافقياً بنسبة عالية جداً على مواد الدستور ليخرج في النهاية للاستفتاء الشعبي»، مضيفاً أن «الشعب سيقول كلمته في هذا الدستور، ولن يستطيع أحد أن يفرض رأيه عليه وإذا وافق عليه فقد منحه لنفسه بإرادة حرة، وإذا اعترض عليه فهذا مسار آخر». وأضاف أن «الدستور سيكون بين أيدى الشعب خلال أسابيع أو أيام، وسيكون الشعب هو الفيصل في الحكم عليه وليست النخبة». وتوقع مقرر لجنة الدفاع والأمن القومى المنبثقة من لجنة نظام الحكم في الجمعية التأسيسية محمد محيي الدين أن تجري الجمعية تصويتاً على مواد الدستور في النصف الثاني من الشهر الجاري «لتكون المسودة النهائية في يد رئيس الجمهورية في الأسبوع الأول من كانون الأول (ديسمبر) المقبل ليطرحها على الاستفتاء الشعبي». في غضون ذلك، أكد مجلس القضاء الأعلى أن «مسودة مشروع الدستور تنتقص من صلاحيات القضاء العادي والنيابة العامة، وتنال من استقلالهما وتوجد ازدواجية لا مبرر لها مع جهات أخرى». وذكر المجلس في بيان أن «مسودة الدستور تتضمن مسائل ليس محلها نصوص دستورية، بل مجالها إن كان لها محل في قوانين تصدر من جهات الاختصاص، وهو ما أكده المجلس مراراً في جلسات سابقة وكذلك الجمعيات العمومية لمحكمة النقض ومحاكم الاستئناف». وأشار المجلس إلى أنه «يعكف حالياً على إعداد مذكرة مفصلة تتناول ما ورد في مسودة الدستور، خصوصاً ما تعلق منها بالسلطة القضائية». ودعا «تحالف القوى الثورية» إلى الاعتصام والمبيت أمام مقر الجمعية التأسيسية «لمنع أعضاء التأسيسية من دخول مقر اجتماعاتهم». وقال في بيان: «دعونا إلى اعتصام ليلة واحدة أمام الجمعية التأسيسية لتشكيل حائط بشري ومنع الأعضاء من الدخول».