حملت مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية بشدّة على الطاهر بن جلون بصفته أوّلاً، عضواً في لجنة تحكيم جائزة «غونكور»، ثم على روايته الجديدة «السعادة الزوجية». ولم يتوان كاتب المقال (غرغوار لوميناجه) عن السخرية القاسية من صاحب «ليلة القدر» واصفاً إياه في العنوان ب «العاهل المبتذل» أو «الكليّ الاحتقار»، ومعرباً عن أسفه لكون بن جلون سيشارك في اختيار الرواية الفائزة بجائزة غونكور للعام 2012. لعل المجلة الفرنسية غالت في سخريتها هذه وفي نقدها الذي بدا شديد التحامل على بن جلون، وعلى روايته التي لم تنل رضا معظم الصفحات الادبية الفرنسية، وهذا ليس بمستغرب، فالطاهر تعرّض سابقاً للنقد السافر الذي لم يرحم ماضيه الابداعي. لكنّ بن جلون الصحافي، ليس بعيداً عن مثل هذا النقد، فهو هاجم في مقال له أخيراً الكاتبة الفرنسية كريستين أنغو التي حصدت روايتها «أسابيع عطلة» جائزة الماركي دو ساد، وأخضع الرواية لمحاكمة أخلاقية انطلاقاً من النزعة الأروسية الجارحة التي تكتنفها. ووجّه سهامه أيضاً الى الصحافة التي احتفت بالرواية الفاضحة والمشينة برأيه. وبدا بن جلّون غير عادل في قراءة الرواية وربما غير ملمّ بأسرارها الخفية وأبعادها. حلّ الطاهر بن جلون قبل أيام ضيفاً على بيروت بدعوة من «صالون الكتاب الفرنكوفوني» مع بضعة من أعضاء لجنة تحكيم جائزة «غونكور» التي شاءت هذا العام أن تكرّم هذا المعرض والعاصمة اللبنانية التي تضمّه. وكان على بيروت الفرنكوفونية ان تحتفي به وبروايته الجديدة، غير مبالية بالحملة التي شنّت عليه في فرنسا. وغدا بن جلون أشبه ب «نجم» في المعرض وخارجه، التقى الصحافة والطلاب ووقّع كتبه وتحدث في الندوات ولبّى الدعوات البورجوازية، متنعّماً بالخريف اللبناني الجميل. وبعض هذه الحفاوة حظي به سائر اعضاء الجائزة ومنهم ريجيس دوبري وبرنار بيفو... أما معرض الكتاب الفرنسي أو الفرنكوفوني الذي احتفى هذه السنة بذكرى تأسيسه العشرين، فهو بات علامة من علامات بيروت الثقافية وموسماً ينتظره المثقفون والكتّاب والقراء الفرنكوفونيون، وهم ما زالوا يمثلون فئة مهمة في لبنان، على رغم الصراع المحتدم بين اللغتين، الفرنسية والانكليزية، ناهيك عن تلامذة المدارس وطلاب الجامعات الذين ما برحت الفرنسية لغتهم اليومية. هذا المعرض الذي يحلّ في المرتبة الثالثة في العالم الناطق بالفرنسية بعد معرضي باريس ومونريال (كندا) أصبح بمثابة لقاء سنوي بين الكتّاب الفرنكوفونيين وقرائهم في لبنان، وهذا ما يمنحه صفة تميّزه عن المعرضين الآخرين وعن المعارض التي تشهدها دول المغرب العربي والتي لا يغيب عنها الكتاب الفرنسي. إلا أنّ ما يؤخذ على هذا المعرض هو أنه معرض مكتبات وليس معرض دور للنشر، فالكتب المعروضة هي نفسها في أجنحة المكتبات ونادراً ما يكتشف الزائر داراً متفرّدة بكتبها وعناوينها. ولعل هذا ناجم عن ضآلة حركة البيع التي يشكو العارضون منها، مع أنّ حركة الإقبال لافتة جداً والزحمة التي يشهدها المعرض تدل بوضوح عليها. إنه غلاء الكتاب الفرنسي أو لنقل ارتفاع سعر اليورو الذي يفعل فعله في الجيوب. رحّبت الصحافة الفرنسية هذه السنة بالمعرض الفرنكوفوني وبمبادرة جائزة «غونكور» وفق بعض ما كتب فيها، لكنّ جريدة «ليبراسيون» نشرت مقالاً تهكّمياً كتبه إدوار لونيه، وشمل فيه بيروت التي وصفها ب «المتوحشة» والمعرض وأعضاء لجنة «غونكور» الذين رسم لهم صورة ساخرة وجعلهم يواجهون أحداثاً أمنية متخيلة في إحدى مناطق بيروت«الغربية» (الطريق الجديدة) التي كانت شهدت معارك وإطلاق نار قبل أسابيع. ولعل اختيار كاتب المقال هذه المنطقة ليس بريئاً، فهو يعلم أن الكتّاب الفرنسيين هؤلاء لن يقصدوا مطعم «أبو الوليد للبيتزا» وفق مخيلته، والذي يملكه كما افترض وهماً، رجل صربي أرثوذكسي... لكنه حملهم الى هناك ليجعل سخريته سوداء، بخاصة بعدما تخيّل أنّ بن جلّون سقط صريعاً تحت وابل الرصاص وراح يزحف على الارض أمام المطعم الذي دعا اليه رفاقه هو بنفسه. ولم يغفل الكاتب عن ذكر طوائف أو مذاهب المسلحين الذين كانوا يتبادلون اطلاق النار: سنّة وشيعة و «بضعة علويين»... ثم يواصل مزاحه السمج واصفاً الغداء الذي استحال حفلة «تهريج» دموي امتزج فيه السكر بالهذيان والغثيان... لا يستحق معرض الكتاب الفرنكوفوني ولا مدينة بيروت، وهي المقصودة هنا حتماً، مثل هذه السخرية المجانية والفظة حتى وإن جاءت من باب الفكاهة، فالمقال غير بريء البتة ولا يمكن أن يُقرأ في جريرة المقالات الطريفة أو «الغرائبية»، فهو يخفي في قرارته الكثير من السموم والخبث والبغضاء، التي لم يتمكن الكاتب من إخفائها في ما افتعل من مزاح وظُرف أو «هضامة» غليظة.