وسط غياب رقابة الأهل، وبحثاً عن «الكيف» الذي يمكن توفيره بأقل التكاليف، تزدحم الكثير من المقاهي وسط عمان بشبان لا يزالون في عمر المدرسة أو الجامعة، يداومون على خلط «معسل النرجيلة» بأدوية مسكنة، مثل «الباراسيتامول»، للحصول على «الكيف»، الذي بات صعب المنال مع تراجع مستويات معيشة عائلاتهم أخيراً، فلا الحالة الاقتصادية لأُسَرهم ولا التشديد الأمني باتا يسمحان للشباب، بخاصة مَن هم من الطبقة الوسطى التي هي في طور التلاشي، بالحصول على «الكبتاغون والماريجوانا أو البانغو»، ما دفعهم لابتكار وسائل جديدة لا تقل خطورة عما ذُكر من مواد مخدرة. ويساعد الفحم السام المحترق الأدويةَ المسكنة في تسريع تفاعلاتها، وبالتالي تحوُّلَ هذه التركيبات الداخلة في الصناعة الدوائية للمسكنات إلى مركبات اخرى قد تفرز سموماً خطرة. وتقول أستاذة الكيمياء في الجامعة الأردنية مها التوتنجي، إنه إذا تم خلط بعض الأدوية المسكنة بأصناف أخرى، فإنها تعطي مركبات لديها مفعول المخدر القوي، مثل الكوكايين والهيرويين. وبناء عليه، تدعو التوتنجي كل الجهات الى تثقيف الشباب بمضار هذه التجارب الكيميائية التي تجرى على أجسامهم طواعية. ويتفق اختصاصي الأمراض الصدرية والتنفسية في وزارة الصحة الدكتور خالد أبو رمان مع التوتنجي، مشيراً إلى أن رفع درجة حرارة جزيئيات الأدوية واستنشاقها يحوِّلانها مواد سامة وخطرة قد تسبب الوفاة، إلا أن ذلك يعتمد على عدد الجرعات وكمياتها. ولا يتطلب شراء المسكنات من الصيدلية وصفة طبية، وفق قانون نقابة الصيادلة الأردنية، ما يجعل من اليسر الوصول إليها وطحنها ثم خلطها بالمعسل المتعدد النكهات وحرقها بالفحم، لتولد «سموماً تصل إلى الدماغ والأعصاب للحصول على النشوة». ويقول الطالب الجامعي عيسى أيوب، الذي يشير إلى أنه يذهب إلى الصيدلية مساء كل يوم لشراء هذه الأدوية (المسكنات) قبل أن يلتقي أصدقاءه في مقهاهم المعتاد، فيخلطها بمعسل النرجيلة، التي لا تحتاج إلى أن تدور على الجميع، كما يفعل مدمنو الحشيش، بسبب رخص ثمنها. ولا يلقي عيسى بالاً لمخاطر هذا النوع من التدخين، مشبهاً الحديث عنها بمضار التدخين التي يتحدث عنها الأطباء، مؤكداً أن أشخاصاً كثيرين عاشوا معها أكثر من تسعين عاماً، ومستشهداً بجده، الذي يقول إنه بدأ التدخين وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وما زال يتمتع بصحة جيدة، وإن كان يعاني من بعض الأمراض فأسبابها بعيدة من التدخين. أما عماد عبد الله، فيذكر سبباً سطحياً في ممارسته تدخين «المعسل» المخلوط بالمسكنات، ويقول: «أحببت أن أجرب، ولكني نادم»، معللاً ذلك بأنه فقد وعيه بعد تناوله «النرجيلة»، التي وصفها ب «الملغومة»، وتم نقله إلى أقرب مركز صحي في منطقته. وقال أشرف عليان، الذي اقنعه أحد أصدقائه بتدخين المعسل المخلوط بالباراسيتامول: «انتابني ألم شديد في خاصرتي لم أعهده من قبل»، مشيراً إلى أنه استفاق من هذا الألم فقط في المستشفى وبعدما تلقى العلاج. وتؤكد إدارة مكافحة المخدرات، بلسان مديرها العقيد مهند العطار، إنها لم تتلق رسمياً أي بلاغ عن حالات تسيء استخدام الأدوية بهذه الطريقة، بيد أنه أوضح أن «التحذير واجب»، محيلاً المسؤولية إلى الأسر، التي قال إنها ملزمة بمراقبة أبنائها عند تناول أي أصناف دوائية، وخصوصاً مسكنات الصداع، خوفاً من الانجراف في طريق الإدمان. وكانت إحدى الدراسات الوطنية كشفت أن 22 في المئة من طلبة المدارس يدخنون النرجيلة، نصفهم في منازلهم، و6 في المئة في الأماكن العامة. وتؤكد مسؤولة المحتوى في الموقع الطبي الإلكتروني الصيدلانية حنين البخيت، تلقّيها استفسارات شبابية عديدة عن مضار استخدام مسكنات الألم مع النرجيلة وخلطها بمادة المعسل بنكهات مختلفة، مشيرة إلى أن حجم الاستفسار يدل على انتشار هذه الظاهرة بين المدخنين. ووفق مؤشرات منظمة الصحة العالمية، فإن خمسة ملايين شخص «يتوفون سنوياً جراء التدخين»، بيد أن هذا الرقم مرشح للزيادة ليرتفع إلى 10 ملايين سنوياً بحلول العام2020. أما مدير «جمعية العفاف الخيرية» مفيد سرحان، استشاري الأسرة والشباب، فلفت إلى انعكاسات هذا النوع من التدخين السلبية في حال إدمان الشباب على الأدوية والنرجيلة معاً، معتبراً أن الإدمان بهذه الطريقة المبتكرة المتسوحاة من وسائل الاتصال الإلكترونية، طريق للانحراف وارتكاب الجرائم.