يفسر مراقبون ومحللون ومقاتلون معارضون الزيادةَ غير المسبوقة في الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الحربية السورية منذ بداية الأسبوع، بأنها محاولة يائسة من نظام الرئيس بشار الأسد لاستعادة زمام المبادرة بعد المكاسب التي حققها المقاتلون أخيراً، في حين أعدمت المعارضة ما يصل إلى 28 جندياً أسرتهم في غارات الفجر في مناطق مختلفة. ويعتبر هؤلاء أن الغارات الجوية لا تستهدف ضرب مناطق يسيطر عليها المقاتلون بقدر ما تهدف إلى إثارة الخوف والغضب لتأليب السكان المحليين ضد المقاتلين المعارضين الموجودين بينهم. ويقول تشارلز ليستر، المحلل في مركز «آي أتش أس غاينز للإرهاب والتمرد» في لندن، إن «المقاتلين المعارضين حققوا مكاسب مهمة في الأسابيع القليلة الماضية، لا سيما في شمال سورية، والنظام يرى في الأمر تهديداً جدياً». ويضيف أن «زيادة الغارات الجوية مدفوعة من هذه المكاسب العسكرية المهمة». وشهد الإثنين «أعنف الغارات» الجوية منذ بدء النظام استخدام سلاح الطيران الحربي في نهاية تموز (يوليو) الماضي، إذ تعرضت مناطق سورية عدة لأكثر من 60 غارة جوية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. واستمرت الغارات المكثفة خلال الأسبوع الجاري، مستهدفة مناطق يسيطر عليها المقاتلون المعارضون في الضواحي الشرقيةلدمشق ومحافظة إدلب في شمال غرب البلاد لا سيما في محيط مدينة معرة النعمان الاستراتيجية التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون منذ التاسع من تشرين الأول (أكتوبر). كما شنت طائرة حربية مقاتلة الثلثاء غارة هي الأولى على أحد أحياء دمشق استهدفت حي جوبر، في يوم تبنت إحدى كتائب «الجيش السوري الحر» اغتيال أحد أعضاء هيئة أركان القوات الجوية السورية. وأتت الغارات بعد فشل القوات النظامية في دفع المقاتلين المعارضين خارج مناطق سيطروا عليها في ريف العاصمة السورية، واكتسابهم مناطق جديدة في شمال غربي البلاد. ويعتبر المحللون أن سيطرة المقاتلين على معرة النعمان الواقعة على الطريق بين دمشق وحلب كبرى مدن الشمال التي تشهد معارك يومية منذ ثلاثة اشهر، كانت مكسباً مهماً. ويقول رئيس المجلس العسكري للجيش السوري الحر في حلب العقيد عبد الجبار العكيدي، إن «لجوء النظام إلى هذا الاستخدام المفرط للغارات الجوية، دليل على أنه يخسر المعركة». ويضيف في اتصال مع وكالة «فرانس برس»، أن «الجيش (النظامي) لا يحظى بوجود عسكري على الأرض في المناطق التي يقصفها بالطيران الحربي، لذا يلجأ إلى تدميرها من الجو». لكن هذه الغارات هي أبعد ما تكون عن استهدافات لمواقع محددة للمقاتلين المعارضين، بل قصف عشوائي على المناطق المدنية، وغالباً بأقسى أنواع المتفجرات، وفق المحللين. وفي الكثير من الأحيان تلقي هذه الطائرات ما يعرف بالبراميل المتفجرة التي تكون محشوة بالديناميت والوقود وقطع من الفولاذ، ما يتسبب بدمار واسع في المناطق المدنية. ويشير المحللون إلى أن الاستراتيجية خلف استخدام هذه البراميل هي قتل المدنيين وتدمير منازلهم وجعل حياتهم لا تطاق إلى حد يدفعهم إلى طرد المقاتلين المعارضين، أو على الأقل وقف مدهم بالمساعدة. ويحاول النظام جعل السكان المدنيين غاضبين وخائفين إلى درجة تجعل من المستحيل على المقاتلين المعارضين العثور على ملجأ آمن، وأن «الهدف الوحيد هو ترهيب السكان المدنيين على أمل أن ينقلبوا على المقاتلين المعارضين». وفي غياب الدعم من المدنيين، لا يحظى المقاتلون المعارضون بأمل كبير في الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطرون عليها، وفق ليستر، الذي يضيف: «اذا انقلب المدنيون ضد المقاتلين المعارضين، سيكون لذلك تأثير مهم في قدرتهم على الاحتفاظ بالمناطق والتغلب على القوات النظامية». ويعتبر المراقبون أن هذه الاستراتيجية لم تحظ بتأثير كبير حتى الآن. وقال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن، إن «الطيران الحربي شن غارات جوية يومية على معرة النعمان منذ ثلاثة أسابيع، منذ أن سيطر مقاتلو الكتائب الثائرة عليها. سقط العديد من الضحايا، لكن القوات النظامية لم تتمكن من الدخول مجدداً إلى المدينة». وفي الواقع، قد تكون استراتيجية النظام تؤدي إلى عكس ما يبتغيه، وتستثير غضباً شعبياً، وفق قهوجي، الذي يقول: «اللجوء الى القصف الاستراتيجي في حالات التمرد وضد مقاتلين معارضين لم يُثبت نجاحه يوماً. كل ما تقوم به هو إثارة غضب الناس وجعلهم يطالبون بالدم في المقابل». وشنت الطائرات الحربية أمس غارات جوية على بلدات في ريف دمشق وقرى شمال غربي سورية، فيما تعرضت مناطق أخرى للقصف من قبل القوات السورية، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وفي محافظة إدلب، نفذت الطائرات الحربية ثلاث غارات جوية على قريتي تلمنس ومعرشمارين، فيما دارت «اشتباكات متقطعة بين القوات النظامية ومقاتلين من الكتائب الثائرة ومقاتلين من جبهة النصرة» في محيط معسكر وادي الضيف الواقع على بعد نحو كيلومترين شرق معرة النعمان. وتعرضت قرى الجبل الوسطاني للقصف من قبل القوات النظامية رافقتها اشتباكات بين الكتائب الثائرة والقوات النظامية في المنطقة، ودارت اشتباكات قرب قرية حيش. وفي ريف العاصمة، قصفت طائرات مروحية منطقة الحجر الأسود، «ما أدى إلى سقوط جرحى»، كما قصفت طائرة حربية محيط حرستا في ريف دمشق بثلاثة قذائف. وتعرض حي السكري في حلب وبلدات دير حافر والسفيرة وتل حديا بريفها للقصف من قبل القوات النظامية عند منتصف ليل الأربعاء الخميس، «ما أدى إلى سقوط جرحى»، في حين شهدت أحياء عدة أخرى في المدينة «اشتباكات بين القوات النظامية والكتائب الثائرة المقاتلة». وطاول القصف كذلك منطقة اللجاة وبلدات الغارة الغربية والمسيفرة في ريف درعا (جنوب) من بعد منتصف ليل الأربعاء-الخميس، بينما تجدد القصف من قبل القوات النظامية على بلدة داعل صباح الخميس. وقال المرصد السوري لحقوق الانسان: «قتل 28 عنصراً من القوات النظامية على الأقل إثر هجوم نفذه مقاتلون من كتائب عدة على ثلاثة حواجز للقوات النظامية غرب وشمال مدينة سراقب» الواقعة في محافظة إدلب. وأشار إلى أن المقاتلين استهدفوا «حاجزي ايكاردا على طريق حلب سراقب، حيث تم الاستيلاء على عربات مدرعة من الحاجزين»، كما «تم تدمير حاجز حميشو على طريق سراقب أريحا». ونقل المرصد عن ناشطين في المنطقة أنهم «شاهدوا جثث عناصر القوات النظامية على الحواجز». وأدت هذه الهجمات أيضاً إلى مقتل خمسة من المقاتلين المعارضين. وتقع مدينة سراقب على الطريق بين دمشق وحلب، وهي «خارج سيطرة القوات النظامية، وتتواجد فيها خمس كتائب ثائرة»، وفق ما قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة «فرانس برس». وأشار عبد الرحمن إلى أن المقاتلين شنوا هجمات صباحية على هذه الحواجز «التي تعرض محيطها للقصف بالطيران الحربي». وبث ناشطون شريطاً مصوراً على موقع «يوتيوب» الإلكتروني، يظهر عدداً من المقاتلين المعارضين وجنوداً أسروهم على حاجز حميشو في غرب إدلب. وبدا عدد من المقاتلين متحلقين حول نحو عشرة جنود نظاميين مستلقين على الأرض جنباً إلى جنب، ويُسمع المصور يقول: «هؤلاء هم كلاب (الرئيس السوري بشار) الأسد». ويسأل احد المقاتلين المعارضين جندياً أسيراً: «ألا تعرف أننا من أهل هذا البلد؟»، ليرد عليه الجندي: «والله العظيم ما ضربت (لم أطلق النار)». ووجّه عدد من المقاتلين ركلات إلى الجنود المرميين أرضاً. ومع انتقال المصور من مكان إلى آخر، يسمع صوت إطلاق نار كثيف وعدد من صيحات التكبير. وأظهر شريط ثان جثث الجنود النظاميين في المكان نفسه، في حين بدا أحد المقاتلين المعارضين وهو يرفع شارة النصر. وتحدث التلفزيون الرسمي السوري أمس عن تفجير خط لنقل النفط في محافظة دير الزور شرق البلاد، ما أدى إلى اندلاع حريق في المكان. وذكر التلفزيون أن «مجموعة إرهابية مسلحة تُفجر خطاً للنفط في منطقة التيم في دير الزور (شرق) يسفر عن اندلاع حريق في مكان التفجير». ولم يورد التلفزيون تفاصيل إضافية تتعلق بكيفية حصول الهجوم أو بكمية النفط المتسربة. وخلال الأشهر الماضية حصلت حوادث تفجير عدة استهدفت بنى تحتية في سورية نسبتها السلطات إلى «مجموعات إرهابية مسلحة»، ومنها أنابيب عدة لنقل النفط في محافظتي دير الزور وحمص (وسط) ومدينة بانياس الساحلية.