تابعت قصة الإعصار «ساندي». إنها غريبة ومثيرة ومخيفة. شاهدت البيوت المقتلعة. والشوارع الغارقة. والسيارات المحاصرة. والمراكب الهائمة. أشركتنا الشاشات في تفاصيل الإعصار. خسائره البشرية والمالية. وانعكاساته على الاستحقاق الرئاسي الوشيك. رهيبة الطبيعة حين تغضب أو يأخذها الجنون. مجرمة لا ترحم. تقتلع الحدود والسدود. وتذكر الإنسان بضآلة مظلته بعد كل ما اكتشف وابتكر وطور. وعلى رغم ما أصاب نيويورك وأنحاء أخرى شعرت بالحسد. لدى الأميركيين دولة. ورئيس. وبرلمان يراقب ويحاسب. لديهم جهاز إطفاء. ودفاع مدني. ورئيس يعلن حال «الكارثة الكبرى» على رغم أن عدد القتلى يقل عن الوجبة اليومية التي تنجبها في عواصمنا السعيدة سياسات النحر والانتحار. ساورني شيء من عذاب الضمير لفرط اهتمامي بالإعصار البعيد. عدت إلى الشاشات التي تركز على دمشق ومعرة النعمان وبيروت وبغداد وصنعاء أي على المدن المنكوبة وأخواتها. متابعتي للأخبار تدفعني إلى الاعتقاد أن ما يعيشه الشرق الأوسط لا يقل أبداً عن مقدمات إعصار يمكن أن يقتلع أنظمة ودولاً مع التسبب في انهار من الدماء وتمزيق خرائط كان يعتقد أنها استقرت ورسخت. ويمكن رصد العواصف التي تتجمع لتتحول إعصاراً على الشكل الآتي: - لم تنشب الحرب الإسرائيلية - الإيرانية بعد لكننا نشهد بعض مقدماتها. اغتيال علماء واستهداف سياح وقصف مخازن أسلحة وذخائر إيرانية في السودان ورحلة من لبنان لطائرة إيرانية من دون طيار. رحلة الطائرة تعني أن إيران تقيم على حدود إسرائيل عبر «حزب الله». وأن جبهة جنوب لبنان ستشتعل بالضرورة لحظة اندلاع الحرب أو عشيتها. ويصعب تصور بقاء الولاياتالمتحدة خارج هذا النزاع لأن الردود الإيرانية المتوقعة ستمس بالضرورة المصالح الأميركية في المنطقة. صحة المريض اللبناني لم تعد تسمح بمجازفات كبرى في هذا الاتجاه أو ذاك. - للمرء أن يتصور مقدار الالتهاب الذي سيصيب النزاع الدائر في سورية وهو معد بطبيعته وموقعه. يصعب على النظام الإيراني تقبل هزيمة متزامنة في الملفين النووي والسوري. اغلب الظن أن إيران ستلعب كل أوراقها لحماية تمددها في الإقليم وحلمها النووي. هذه الحرب ستكون اخطر من حرب العراق لأسباب كثيرة بينها تعدد مسارحها. - لم نشهد من قبل مثل هذا التدهور في العلاقات السنية - الشيعية. يكفي الالتفات إلى الوضع في العراق ولبنان والبحرين ومناطق أخرى. إننا نشهد ولادة خطوط تماس دامية يضاعف من خطورتها أنها عابرة للحدود. - على رغم الطابع «الربيعي» لانطلاق الانتفاضة في سورية فإنه لا يمكن اليوم عزل ملف النزاع الدامي الذي تشهده عن أزمة المكونات وكذلك عن مصير البرنامج الإيراني في الإقليم والتنازع السني - الشيعي. - لا بد من الالتفات إلى سقوط حصانة الحدود الدولية. كلما عصف الاضطراب بدولة تدفق المقاتلون الجوالون إليها وفرضوا على أحداثها أسلوبهم ولونهم وشعاراتهم واقتادوها إلى مشاهد غير ربيعية على الإطلاق. يمكن أن نضيف هنا مشاعر اليأس التي تتجمع في دول نجحت في إسقاط حاكم مستبد ثم اكتشفت أن القوى المهيمنة الجديدة تدعو إلى السفر إلى الماضي لا إلى المستقبل. يتجاور هذا الغضب مع اليأس المتزايد من الكلام الدولي المكرر عن حل الدولتين. كل شيء يوحي باقتراب الإعصار. العرب هم الأضعف في الإقليم لذلك سيضرب الإعصار على ارضهم. تصفية الحسابات الإيرانية - التركية على الملعب السوري شديدة الوضوح. العراق اهمل رتق وحدته الوطنية. ولبنان يشرع صدره للعاصفة. والأردن يتحسس حدوده قلقاً. مسكين الإعصار «ساندي». قام بزيارة وسيغيب. انه مجرد نزهة إذا قيس بما تستعد ارضنا لإنجابه من أعاصير في ظل غياب كل صمامات الأمان. لا نبالغ إن قلنا إن العربي موعود بالإعصار. وإن العربي موجود أصلاً في عهدة الإعصار.