ربما لا تأتي قراراته المفاجئة، كما يحب أن يصفها كثيرون، في الوقت المناسب، لكن على الأقل تأتي، وهذا أفضل بكثير من غيابها تماماً. إن قرارات الرئيس محمد مرسي تأتي مواكبة للإرادة الشعبية وتوجهات غالبية الأحزاب و ممارسي العمل السياسي، لكن قد تكمن المشكلة الحقيقية في الطريقة التي يتعاطى بها الإعلام مع هذه القرارات، فيمكن لصحيفة أو قناة فضائية أن تعد تقريراً لا تتاح فيه فرصة النشر أو الظهور التلفزيوني إلا لحاملي رأي معين تجاه تلك القرارات. وبطريقة غريبة تختفي مراكز البحوث واستطلاعات الرأي، ويصبح الاعتماد كلياً على هذا التقرير التلفزيوني أو ذاك الاستطلاع الصحافي! سواء كانت ردود الفعل بالقبول أو الرفض فإنها في أغلبها تصب في النهاية في مصلحة مرسي، وتضيف إلى رصيده المزيد، فالرجل الذي قبل الحكم من دون صلاحيات كاملة، استطاع أن يقتنص تلك الصلاحيات لاحقاً، بل ويطيح الحرس القديم، فقد تمت إطاحة المجلس العسكري وتغيير مدير المخابرات ورئيس ديوان الرئاسة وتعيين قادة جدد للجيش، وهي قرارات رئاسية تعيد الاعتبار جزئياً لفلاحي مصر الذين أفقرهم وأذلهم نظام مبارك البائد، وإلغاء الحبس الاحتياطي لجرائم النشر، ويلي الإلغاء مباشرة الإفراج عن رئيس تحرير متهم بإهانة رئيس الجمهورية، ثم أخيراً قراره بالعفو عن معتقلي الثورة. مرسي يعود بمصر إلى مكانتها الطبيعية في المنطقة وفي العالم، لكن قد تبدو هذه العودة بطيئة نسبياً، وهذا مفهوم في إطار المعطيات الدولية والإقليمية، إضافة إلى «تقزيم» الدور المصري طوال عقود حكم مبارك، فمصر التي بدت وكأنها غريبة عن أفريقيا تعود إليها مرة أخرى الآن، وبالتزامن تبحث مصر عن حلفائها القدامى وتصنع علاقات وصداقات جديدة مع شركاء جدد. الأمور ستكون أفضل مستقبلاً لكن في الوقت نفسه يجب أن تتم الإصلاحات بوتيرة أسرع مما هي عليه الآن، لكن على أي حال فإن عهد مبارك كان يشهد سيراً إلى الوراء، أما الآن فالسير أصبح نحو الأمام، وإن ببطء فإنه على الأقل بثبات وثقة. قال إبراهام لنكولن: «إنني أسير ببطء، لكنني لا أسير إلى الوراء أبداً».