في الثامن من الشهر الجاري، في الطابق السادس من غاليري «لافاييت»، لم يكد السائل ينتهي من سؤاله حتى توجه رم كولاس، المهندس الهولندي النافذ والذائع الصيت، الى النافذة، ثم التفت نحوه قائلاً: «الكلام عن الشوبينغ (التسوق) لا يعنيني. وهذه المرة الاولى تقابلني جريدة لوموند وأستسيغ الكلام عن شيء آخر». ولم يخف الصحافي دهشته، فالصحيفة سبق لها ان أجرت مقابلتين واسعتين في 2005 و2010. ولم يكن من المعمار إلا أن غادر الغرفة. ومنذ 1995، تربع هذا المعمار – المهندس، ابن ال67 عاماً، على عرش مكتب «ميتروبوليتن ارشيتكتور» الذائع الصيت في انحاء العالم، وانصرف مع طلابه في جامعة هارفرد العريقة الى تشريح تجسدات مجتمع الاستهلاك من سوق القرية الى المراكز التجارية في الاطراف. ودرس منظمة التسوق عبر التاريخ. واليوم، ينظم معرضاً في غاليري «لافاييت» - الصرح التجاري الباريسي في ذكرى مئة عام على تشييد قبته. والمعمار الفائز بجائزة بريتزكر (وهي صنو نوبل الهندسة) هو نجم عبقري يجمع الرقة الى الحزم والقدرة على الإقناع الى بعث الاستهجان. وبعد دقائق من مغادرته الغرفة، عاد إليها وبدأ الكلام. وهو يأخذ على زملائه إهمال دراسة أثر «المولات» وتغييرها بنية المدينة، ويغفل أن عدداً منهم أنجزوا أعمالاً رائدة في هذا المجال، منهم دافيد مانجان الذي درس دور المراكز التجارية في بلورة بنية المشهد الشبه حضري. ولكن الحق يقال، كولاس مصيب في قوله إن المهندسين المعماريين لا ناقة لهم ولا جمل في تغيرات المشهد الحضري. والمناقشات تحتدم في أوروبا والمدن الكبرى حول اعماله. ولا احد ينكر قدرته على الابداع وموهبته، ولكن شطراً كبيراً من المعماريين يقولون ان كولاس باع روحه للشيطان، شيطان المال المتزين بزي «برادا». فهو أبرم عقداً مع دار أزياء «برادا» لإعادة هندسة متاجره. وكلفته شركة الألبسة «بينيتون» تحويل قصر مطل على القناة الكبيرة على ضفاف ريالتو في البندقية الى متجر ملابس. وسبق لبينتون أن اشترت القصر من البلدية في 2008. ويندد المدافعون عن التراث بالمجزرة التي ينوي المعمار إنزالها بهذا المعلم الأثري. ولذا، جمد المشروع. ويتنهد كولاس قائلاً: المدن الاوروبية تذوي وتذبل وهي شاخصة الى ماضيها. وهذا القصر كان مهجوراً. ولن أجعله على صورة المخازن الكبرى «ميغاستور»، بل سأعيد تخطيطه ليحتضن المهن الحرفية التي توشك على الاندثار في البندقية. وكولاس يرفع لواء المتجر الكبير وينحاز اليه ضد المراكز التجارية. فمثل هذا المتجر هو أبرز عامل مديني في سلسلة «الشوبينغ» التاريخية. ويرى أن «المول»، على خلاف المتجر، ينزع عن المدينة طابعها الحضري. فجوهر «المول» هو جمع الانشطة المتوقعة. وهو نموذج يمكن استنساخه وتكراره. ولكن المدينة، على خلاف المول، هي حاضنة غير المتوقع والعشوائي، على قول كولاس. والمدن المعاصرة تقصي هذا الجانب منها. ويدعو كولاس المتاجر الكبيرة الى انقاذ السوق، وهو «تحفة» لا يستهان بطابعها الحضري، من خطر الاندثار. فالاسواق تقصى من المدن الكبيرة. ولا تزال باريس تحتضن الاسواق الصغيرة. وأعدادها تتقلص في امستردام. * صحافي، عن «لوموند» الفرنسية (ملحق «كولتور إي ايديه»)، 13/10/2012، إعداد م، ن.