هذه الأيام لها نكهتها المختلفة لما تحتوي من معانٍ قدسية وعظيمة وتجتمع فيها كل ألوان العبادات، إذا نظرنا من الناحية الذاتية فهي تستدعي رقة القلب، ويقظة العقل، وكذلك إذا تأملنا آثارها المنعكسة على واقع المسلمين، فهي أيام تعزز معاني الوحدة والنهضة والمساواة والسلام والحب وغيرها من القيم والمعاني الكبيرة في حياة الإنسان، لكن الملاحظ أن طريقة استقبال هذا الموسم لا يزال بشكل تقليدي يقتل المقاصد والمعاني التي من أجلها فرضت هذه الشعيرة وما يتبعها من السنن، وهي فرصة ضخمة لمن يريد أن يستغلها على أفضل وجه كما يجب ويكون، فهي أيام مشبعة بالمعاني الروحانية والفكرية والعملية... لكن هناك ظاهرة أصبحت تطفو على السطح عند كل قدوم لهذا الموسم بشكل مؤذٍ، وهذه الظاهرة يجب القضاء عليها، بسبب انتشار النفس الاستغلالي في السنوات الأخيرة، الذي جعل من مسألة أداء فريضة الحج أشبه ما يكون بعمل مستحيل وثقيل على أصحاب الدخل المحدود، ومشروع كسب لبعض أصحاب الحملات بطريقة استغلالية بشعة، وهذا يحتاج وقفة حازمة من الجهات المسؤولة للحد من هذه الظاهرة وضبط الأسعار وتحديدها. من العبادات التي لا تُعطى حقها كما يجب هي عبادة إظهار السعادة، خصوصاً في المناسبات كالأعياد، وفن السعادة والسرور، نحن كعرب، نحتاج أن نكتسبه وندرب أنفسنا عليه من أجل الاستمتاع بالمناسبات وتفاصيل الحياة التي تعيد للإنسان توازنه واستقراره، والإنسان العربي شرب الحزن، وأصبح يتقن ممارسة العزف على وتر الأحزان، أكثر من أي شيء آخر، بحكم الوضع السيئ وتقلبات الظروف من حوله وأسباب أخرى، لكن كل هذه الظروف لا نجعلها تمنعنا من الاحتفال والفرح، حتى في وسط المناسبات التي قانونها الفرح، ومبادلة الآخرين الحب والابتسامة الشفافة الصادقة، والهدايا والمعاني الجميلة التي تحقق مقاصد الشرعية التي من أجلها فرضت هذه المناسبات والمواسم الروحانية اللذيذة... ومن الذكاء العاطفي تنمية المشاعر، لأن مشاعرنا هي هويتنا، ومشاعرنا تعطينا صورة دقيقة عن أنفسنا، فهي لا تكذب. الحج مدرسة تربوية تعمق الإيمان وتربي الضمير، وتطور السلوك الاجتماعي، وتجدد الروح الاجتماعية، وتقضي على بذرة الأنانية التي تغتال الشعور بالآخرين، كل ذلك من أجل سير متوازن على طريق الحياة الشاق... ومن المقاصد الشرعية الأصولية تنمية الشعور لدى المسلم من أجل أن يشعر بالآخرين، ويشاركهم في ما يصيبهم من الظروف، ويخفف عليهم أزمتهم، خصوصاً الفقراء الذين كانت ظروف الحياة ضدهم، وكملها طمع البعض من الذين لا يكترثون إلا بأنفسهم وشهواتهم. فهي أيام يرتفع فيها الوعي الشرعي، وتربي المسلم على أن يرتب حياته من الداخل، وبشكل جديد من أجل بنية متماسكة ومتينة وقوية تتحمل الأزمات، وهي أيام تعطي طاقة جديدة ومختلفة لاستقبال العام الجديد بنفس عالٍ وأمل جديد. * كاتب سعودي. [email protected] @alzghaibi