تحوّلت أثينا إلى إحدى أرخص مدن العالم في مجال العقارات، كما تشير الأرقام، بعد موجة غلاء لا سابق لها، رافقت استضافة الألعاب الأولمبية وأعقبتها. إذ شهدت البلاد فقاعة عمرانية أدت إلى بناء آلاف الشقق السكنية الفخمة التي كانت تباع بمئات آلاف اليورو. ولعبت المصارف في تلك الفترة دوراً، أقل ما يقال عنه أنه غير شريف، بالإيقاع بملايين اليونانيين والمقيمين. إذ كانت تعرض عليهم قروضاً مغرية من دون شروط تقريباً، نتيجة ذلك وقع كثر من هؤلاء في فخ الاقتراض من دون الاهتمام بالشروط المكتوبة بخط صغير. ولم تكن ثمة مشكلة في البداية، لأن الأشغال كانت ناشطة وكانت عجلة الاقتصاد تدور في شكل طبيعي، ولو ظاهرياً. لكن هذه العملية تحولت إلى كابوس مع فقدان آلاف الوظائف وعدم قدرة المقترضين على التسديد. النتيجة كانت كارثية إلى حد كبير، إذ لم تكن المصارف رحيمة أبداً مع المقترضين وصادرت المنازل، فخسر الآلاف منازلهم وتشردت أعداد منهم بعد خسارة أعمالهم. ديميتريس رجل يوناني في نهاية الثلاثينات من عمره، اقترض من مصرف معروف لشراء منزل جاهز، وظل يسدد الأقساط على مدى خمس سنوات، ثم راجع المصرف في شأن المبلغ المتبقي ليفاجأ أنه لم يسدد شيئاً من ثمن المنزل ذاته، بل كان يسدد فوائد القرض. ومع حلول شبح الأزمة الاقتصادية على اليونان، غادرها آلاف المهاجرين الأجانب الذين فقدوا بدورهم فرص العمل، كما هاجر معهم آلاف اليونانيين طلباً للعمل في أوروبا وأميركا والخليج العربي، فأصبحت آلاف المساكن والمتاجر خالية لا تجد من يسعى إلى استئجارها أو بيعها، وبالتالي خسرت جزءاً كبيراً من قيمتها. وأخيراً، نشرت الصحافة المحلية أنباء عن خلوّ أكثر من 300 ألف عقار من مستأجريها. فيما أظهرت الأرقام أن نحو مليون يوناني يصرحون بحصولهم على مبالغ مالية من تأجير عقاراتهم، وأصيب قسم كبير منهم بخسارة كبيرة. وكشفت الأرقام، أن 25 في المئة من المساكن و 35 في المئة من المحال التجارية و 65 في المئة من المكاتب فارغة لأشهر طويلة. وفي وقت كانت العقارات قبل بضع سنوات تستغرق أقل من شهر لتجد مستأجراً لها، باتت اليوم تنتظر فترة سنة ونصف سنة لتجد المستأجر المطلوب، وسيكون بالطبع تحت رحمة خفض المعاشات في حال كان العقار للإيجار، أو تحت رحمة حركة السوق الضعيفة لو كان العقار محلاً تجارياً، خصوصاً إذا كانت مساحته كبيرة وبالتالي إيجاره مرتفعاً. تأجير العقار لا يعني انتهاء المشاكل الناجمة حوله، لأن مستأجرين كثراً يمتنعون أو يتأخرون عن تسديد الإيجارات لمدة ربما تصل إلى سنة كاملة بحجة الأزمة الاقتصادية. ويمكن أن تكون الأعذار حقيقية أحياناً، فيما يستغل بعضهم الأزمة ليخفف من بعض الأعباء الاقتصادية. الأزمة دفعت غالبية المهنيين الذين كانوا يستأجرون عقاراً لممارسة مهنهم إضافة إلى منزل السكن مثل المكاتب، إلى التخلي عن العقار الثاني والاكتفاء بممارسة المهنة في المنزل على رغم صعوبة ذلك. واضطر أصحاب العقارات في الفترة الماضية تحت ضغط الأزمة وتهديد المستأجرين بالرحيل، مع عدم وجود البديل، إلى خفض إيجارات العقارات بنسب تصل أحياناً إلى 50 في المئة للمنازل و30 في المئة للمحال التجارية و50 في المئة للمكاتب. وتشهد المحاكم اليونانية مئات الدعاوى التي يطالب فيها المستأجرون، بخفض أجور العقارات بسبب الأزمة الاقتصادية، وتشير الأرقام إلى أنها تصل شهرياً إلى 2000 دعوى، فيما لم تكن تتعدى 500 دعوى. ضريبة «الخراج» انخفاض أسعار العقارات لم يكن الضربة الوحيدة التي تلقاها مالكوها، بل تزامنت لسوء حظهم، مع فرض الدولة ضريبة على العقارات سمّاها اليونانيون ب «الخراج»، ودفعوا الجزء الأول منها ضمن فواتير التيار الكهربائي، مقسمة على أكثر من دفعة، وبدأت الدولة أخيراً بإرسال الدفعة الثانية. ضريبة «الخراج»، وضعت مالكي عقارات كثراً أمام أزمة حقيقية، لأن الملكية الفردية موزعة في اليونان أفقياً، وربما تجد شاباً عاطلاً من العمل أو خُفّض معاشه في شكل ملحوظ، ويكون ل «سوء حظه» ورث منزلاً أو منزلين عن والده أو والدته، وفي هذه الحال عليه تسديد «الخراج» من موازنته المتواضعة، لأن إمكان بيع أحد العقارين بسعر معقول شبه مستحيل. فرص بيع العقارات بسعر جيد ليست أقل سوءاً من فرص التأجير، إذ تتحدث الأوساط العقارية عن بيع منازل فارهة ب 5 ملايين يورو فيما كانت تقدر بنحو 12 مليوناً. فيما بيع عقار في منطقة معروفة ب 7 ملايين يورو من أصل سعره المقدر ب 10 ملايين. وعلى رغم الانخفاض في أسعار العقارات، يبقى الاستثمار في هذا المجال مغامرة كبيرة في ظل عدم وضوح السياسة الضريبية التي ستفرضها الدولة عليها ومدى ثباتها، خصوصاً أن دائني اليونان يلحّون على حكومتها لفرض مزيد من الضرائب.