ليست هناك مناسبة أكثر من العيد نتعجب فيها: لمَ لا نفرح؟ الحكماء منا أخمدوا عجبهم بمقولة: إن العيد للأطفال، أما البؤساء فقالوا: إن العيد تغير حتى على الأطفال، فما عادوا يفرحون بالعيد مثل زمان. كل شيء تغير، كل شيء أصبح أكثر رداءة. إذاً، يا لها من مناسبة عظيمة كي نحزن، ونضع أيدينا على خدودنا، ونتذكر مطلع بيت شهير لشاعرنا العربي الكبير المتنبي «بأية حال عدت يا عيد»! فهذا القدس محتل، وهذا العراق مفتت، وهذه الجولان ضائعة، والعرب فرقاء تمزقهم الحروب والفتن. يا لها من مناسبة عظيمة تليق بالحزن! لكن العجيب أننا لا نجيد جمع حطبها وإشعالها إلا وقت العيد، فالعيد هو السبب على ما يبدو، فلمَ يأتي ولا يجلب معه أفراحه التي خبرناها صغاراً خليي البال! المنطق يقول إن كل صباح يشرق عليك وأنت آمن في نفسك ولقمة عيشك فهو بالنسبة لك يوم عيد. في الحقيقة أن العيد لم يتغير، لكن قانون الندرة هو بطل العيد سابقاً، بل بطل الحيوات السابقة كلها، وهو الذي جعل لكل شيء طعمه، لأنه يأتي وحده من دون زحام، هادئاً يأخذ وقته وهو يتقدم، ونحن نعد الأيام، ننتظره مثل حبيب يمشي الهوينا ولا يأبه بأشواقنا العجلة. كل شيء نؤجله للعيد، شراء الثوب الجديد، والصبر على غياب الطعام المميز، ودعوات الأصدقاء، واللقاء بمن طال غيابهم، وحتى زواج «نورة» ب «عبدالرحمن» يستطيع أن ينتظر حتى يأتي العيد، ولأننا كنا نخص العيد بكل هذا الاحتفاء، فإنه أيضاً خصنا بكثير من الفرح، فلمَ نلوم العيد الذي تخلينا عنه وزاحمناه، فصار يأتي وقبله جاءت تذاكر سفر طوال العام، وحقائب، وثياب اشتريناها منذ الصيف الماضي، ونقود أهدرناها على حساب الأشهر المقبلة تتراكم فوق «الفيزا» المؤجلة الدفع. حتى أطفالنا لا يتذكرون العيد، فأصدقاؤهم موجودون دائماً معهم، رابضون خلف الأجهزة الذكية يتواصلون معهم طوال النهار وآناء الليل طوال العام، يتبادلون الحكايات ذاتها التي تتكرر، أنا لا أقول هذا الكلام لتحزنوا أكثر، بل لتعرفوا أن كثيراً منا يعيش أعياداً كثيرة في العام، ثم ينتظر من العيد الرسمي المشهور بين الناس ب «الأضحى» أو «الفطر» أن يكون أكثر تميزاً، ماذا يفعل العيد وقد أحرقتهم عليه كل مفاجآته؟ ثوبه الجديد وشبعه، ورفاهيته وحلواه ونقودة المتواضعة، بعضكم سيقول: ما الحل إذاً؟ الحل هو أحد أمرين: أن تعتبروا أننا صرنا نعيش أعياداً كثيرة بسبب الوفرة فتغفروا للعيد تقشفه، أو أن تتقشفوا أنتم - كما يفعل قانون الندرة - كي تمنحوه فرصة يتباهى أمامكم بوفرته ورفاهيته. صوموا قليلاً عن المتع، أو أجلوها، وأعدوها في العيد مثل حبيب ينتظر، هذا إذا استطعتم على فراقها صبراً. خبئوا شيئاً للعيد، أعطوه فرصة يخصكم بها بدلاً من تلك الجملة التي تؤجلونها حتى يأتيكم، وما إن يطل عليكم حتى تروعوه قائلين: «بأي عيد جئت يا عيد»؟ مسكين العيد. [email protected]