صدر عن «مؤسسة البابطين للترجمة» و «الدار العربية للعلوم»، كتاب «الطب الرقمي: الرعاية الصحية في عصر الإنترنت»، تأليف داريل ويستد وإدوارد ميلر وترجمة نائل الحريري. يناقش الكتاب الذي تطغى عليه النكهة الأميركية، تجربة مواقع رقمية تعمل في الطب والرعاية، على شاكلة مواقع «ويب أم دي. كوم» WedMD.com و«ميدلاين بلوس. غوف» Medline Plus.gov وAمِرِكسورس.كوم»Merecsource.com و«هيلث فايندر.غوف» Healthfinder.gov و«مايوكلينيك.كوم» MayoClinic.com وغيرها. ويقدّم نماذج عن المواقع الشبكية التي تجيب عن الأسئلة الصحية كما تقدّم روابط إلكترونية تقود المهتمين إلى مجموعات تناقش أمراضاً معينة. ويشير إلى أنه في بعض الولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك وميتشغن، يمكن المستهلكين أن يزوروا الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة في الولاية ويقارنوا معطيات الأداء التي تحدد جودة الرعاية الصحية، كي يتمكّنوا من الحكم على نوعية الرعاية التي تقدّم لهم في المؤسسات الطبية. ويلاحظ أن الحكومة الأميركية لديها أيضاً موقع إلكتروني يقوّم أداء 2500 مستشفى بناءً على مؤشّرات عملانية على شاكلة معدل الوفيات، والعناية بنظافة الغرف، وسرعة استجابة الممرضات لجرس الاستدعاء، وآراء المرضى عن مستوى الرعاية التي يلاقونها وغيرها. ويلاحظ أيضاً أن بعض الأطباء الأميركيين يشجعون مرضاهم على استعمال البريد الإلكتروني والرسائل عبر شبكة ال «ويب» عوضاً عن الاتصالات الهاتفية أو الزيارات إلى مكاتب الأطباء، للحصول على استشارات في أمور بسيطة كتجديد وصفة الدواء، والتحويل إلى طبيب آخر وغيرهما. ويبيّن أهمية عمل أنظمة التشخيص الرقمية وبرمجيات الكومبيوتر في دعم اتخاذ القرار من قِبَل موفري الخدمات الصحية والطبية عنه بُعد (على شاكلة الخدمات الطبية عبر مؤتمرات الفيديو أو هواتف الانترنت)، شارحاً الدور الذي باتت تؤديه الأجهزة الذكيّة والكومبيوتر المحمول في هذا المجال أيضاً. قيود الانترنت يشدّد كتاب «الطب الرقمي...» على أن وفرة تطبيقات الطب الرقمي عبر البريد الإلكتروني والانترنت والهواتف المحمولة، لا تعني بالضرورة أن كثيراً من الأطباء أو المرضى، يتقيدون حقاً بإمكانات التواصل الإلكتروني. ويورد أن 15 في المئة من أصل 560 ألف طبيب في الولاياتالمتحدة يستخدمون الانترنت في طلب العلاج لمرضاهم. ويوثّق أن محامي الشركات كبرى يرون أن الانتقال إلى الوصفات الإلكترونية يمكن أن يوفر 29 بليون دولار خلال العقد المقبل. ويثبت آراءً لخبراء صحيين تقول إن التكنولوجيا الرقمية في الطب تؤدي الى تخفيض النفقات، كما تزيد من فعالية المعاملات، وتقلّل من أخطاء المُداواة، وتحفز الأطباء على وصف أدوية أرخص لمرضاهم. ووفق الكتاب، يبدي بعض المراقبين قلقاً من أن هذا النوع من الاستشارات الإلكترونية ربما يلغي إنسانية الرعاية الصحية. ويدلل على هذا برأي الخبيرة الاجتماعية الصحية هيلين هيوز إيفانز التي تقول ان التكنولوجيا جرّدت الطب من ميزاته الإنسانية، وأن الأطباء يعتمدون في شكل كبير للغاية على المعدات ذات التكنولوجيا العالية. ويبيّن أن إيفانز تشعر بأن هذا الأمر يهدم حميمية العلاقة الإنسانية مع المريض من قِبل الأطباء ممن يعتمدون على الأجهزة الإلكترونية بصورة واسعة، وبالتالي تساهم التقنية في فقدان اللمسة الشخصية في تقديم الرعاية الصحية. وفي المقابل، يعرض مؤلّف الكتاب إدوارد الان ميلر، استطلاعاً للرأي ورد ضمن بحث في مجلة «الطب من بُعد» («يلميدسن»telemedicine )، يفيد بأن 80 في المئة من الدراسات الطبية أظهرت تأثيراً إيجابياً للتواصل الإنساني على العلاقة بين المريض ومُزوّد الخدمات الطبية. الفجوة الرقمية يعلن ميلر أيضاً قناعته بأن التقنيات الرقمية تسهل حصول بعض الشرائح الاجتماعية على الرعاية الصحية، وتوسّع الاتصال بين المرضى ومروحة واسعة من من مزودي الخدمات الصحية. ويفيد الكتاب بأن الاتصال الرقمي يتيح للمصابين بأمراض نادرة، إمكان العثور على مزيد من الاختصاصيين ممن يعملون في مناطق بعيدة جغرافياً عن أمكنة عيش هؤلاء المُصابين. ويلاحظ الكتاب أن التكنولوجيا غالباً ما تؤدي دورها على حساب المفاهيم الإنسانية، على رغم وجود دراسات تقترح فاعلية الوسائل التقنية في زيادة مصادر الرعاية للأفراد، ورفع مستوى المعرفة بكثير من المشاكل الطبية. في هذا الكتاب أيضاً، يتحرى المؤلف آثاراً متنوّعة اخرى لثورة التقنيات والمعلومات على الرعاية الصحية، مُشدّداً على فوائد الرعاية الصحية الإلكترونية، من دون إغفال العوائق التي تحول دون وصول الكثيرين الى فوائد الابتكارات التقنية في الطب الرقمي. ولكن، ربما رأى البعض أيضاً أنه كي يتحقق الأمل الواعد لتقنيات المعلوماتية الصحية، ينبغي على الطب الرقمي أن يتجاوز حدود التقسيمات السياسية، ومعطيات «الفجوة الرقمية»، وكلفة التكنولوجيا الرقمية، والتناقضات الأخلاقية المتصلة بشؤون الحفاظ على الخصوصية، باعتبارها شروطاً أساسية لإدخال تحسّن نوعي في الرعاية الصحية في العصر الرقمي. * مسؤول وحدة الاعلام في مكتبة الاسكندرية