لنحو ست سنوات لم يزر الرئيس المصري حسني مبارك الولاياتالمتحدة لأسباب معروفة، على رأسها بالطبع سوء العلاقات بين البلدين أثناء الولاية الثانية للرئيس السابق جورج بوش. وها هو الرئيس المصري يستعد لأول زيارة له إلى العاصمة الأميركية الشهر المقبل، في السنة الأولى من الولاية الأولى للرئيس باراك أوباما. ليكون اللقاء الثالث الذي يجمع بين الرئيسين بعد الزيارة السريعة لأوباما للقاهرة التي وجه خلالها كلمته إلى العالم الإسلامي، ولقائهما الثاني على هامش قمة الدول الصناعية الكبرى. ويعكس اهتمام البلدين بالزيارة المرتقبة رغبة مشتركة في تحسين العلاقات وتقويتها وتجاوز مرحلة بوش. لكن التحليلات التي ذهبت إلى أن اللقاء قد يسفر عن مبادرة أميركية جديدة للسلام أو ستدفع بالإدارة الأميركية إلى الإسراع بتنفيذ الوعود التي أطلقها أوباما من القاهرة في شأن القضية الفلسطينية مبالغ فيها كثيراً. صحيح أن أوباما يستخدم خطاباً سياسياً أقل حدة بكثير من سلفه بوش كما أنه يبدي في لقائه أي زعيم عربي قدراً كبيراً من الاحترام والتقدير إلا أن كل ذلك لم يفعل على أرض الواقع بالتوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية التي يبدو وكأن لا حلول لها سواء جلس خلف المكتب البيضاوي في البيت الأبيض رئيس جمهوري أو ديموقراطي، أبيض أو أسود، متشدد أو متسامح. من المؤكد أن الانشقاق الفلسطيني عائق أمام تحقيق سلام مع إسرائيل. لكن الأهم أنه صار «الشماعة» التي تستخدمها كل الأطراف لتعليق فشلها أو تقاعسها عليها. فرغم الخلافات الفلسطينية إلا أن العالم يتعاطى مع السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس (أبو مازن) والسلطة جاهزة دائماً للدخول في أي مفاوضات. لكن عن أي تعامل نتحدث؟ هل عن الزيارات والاستقبالات والمؤتمرات والندوات وبرقيات التهاني أو التعازي؟ لم يترجم أوباما كلامه «الجميل» على الأرض حتى الآن. وبافتراض أن المواجهة بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس» تعيق تنفيذ خطة سلام محددة، فإن الصحيح أيضاً أن إسرائيل لا تزال تمارس الإجراءات والسياسات نفسها التي تمارسها منذ سنوات طويلة من دون أن يكبح أوباما أو إدارته جماحها في القضايا المحسومة كالمستوطنات مثلاً. ويبدو التشدد الإسرائيلي على حاله من دون اعتبار حتى للمواقف والرؤى الأميركية التي أعلنها أوباما في كلمته من القاهرة ما يجعل من مسألة تحقيق السلام في الشرق الأوسط وهماً لا علاقة له بالحقيقة. بين القاهرةوواشنطن قضايا أخرى شائكة بعضها يخص الأوضاع الداخلية المصرية وأخرى تتعلق بمشكلات اقتصادية وتجارية. والمؤكد أن ملفات كتلك ستأخذ حيزاً كبيراً لتبحث في الزيارة. كما أن بعض القضايا الإقليمية الأخرى التي تهتم بها واشنطن والتي تلعب فيها مصر أدواراً بشكل أو آخر سيتناول أيضاً حيزاً من النقاش مثل الأوضاع في العراق والصومال والسودان وإيران. ورغم ذلك تبقى القضية الفلسطينية تمثل المعضلة الرئيسية في العلاقات العربية – الأميركية عموماً. ولا يمكن أن يشعر المواطن في أي قطر عربي بتغير حقيقي في السياسات والقناعات الأميركية إلا إذا توقفت إسرائيل عن ممارساتها المختلفة، ويتحقق للشعب الفلسطيني أمله في دولته المستقلة. نعم الزيارة نفسها تعد حدثاً مهماً لكونها أتت بعد كل تلك السنوات التي امتنع فيها مبارك عن الذهاب إلى واشنطن. ومن الآن وحتى يوم 18 أيلول (سبتمبر) المقبل موعد الزيارة فإن ترتيبات تعد وجهوداً تُبذل للإعداد لها. لكن القضية الفلسطينية وصلت إلى مرحلة من التعقيد تجعل من زيارة زعيم عربي للولايات المتحدة حدثاً قد يحرك القضية لكن لا يحلها. فحتى لو كان الرئيس الأميركي راغبا وعازماً على العمل نحو حل القضية إلا أن آليات الحل لم يعد يمتلكها وحده. كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات يكرر كثيراً مقولته الشهيرة «إن 99 في المئة من أوراق حل القضية الفلسطينية في أيدي الأميركان». ويبدو أن الأوراق قد طارت في الهواء ولم يعد أي رئيس أميركي يملك إلا بقايا منها.