في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، اعلن السناتور الاميركي، باراك أوباما، أن الفوز في حرب أفغانستان واجب وملح. وبعد خمسة أعوام آلت الامور الى ما لم يشتهه أوباما الرئيس. فإدارته وقعت في خطأين، أولهما مرده الى إخفاق استراتيجية رفع عدد الجنود في قمع تمرد مقاتلي «طالبان» بسبب افتقار الأميركيين الى حلفاء يؤازرونهم في الحرب، فالرئيس الأفغاني، حامد كارزاي لم يرغب في التعاون معهم، وباكستان المجاورة لم تشأ الانقضاض على حركة «طالبان». والخطأ الثاني مرده الى عدم استعداد الاميركيين لتبديد أعوام كثيرة وإنفاق مئات الملايين من الدولارات في انتظار تحسن الأوضاع. وحين أقر أوباما مشروع رفع أعداد القوات المقاتلة في افغانستان، لم يساوره شك في أنه يرسلها الى المكان غير المناسب. ففي 2009، برزت الحاجة الى رفع عدد القوات في المنطقة الاستراتيجية التي كانت حركة «طالبان» تسعى الى إحكام القبضة عليها، أي قندهار عاصمة الحكم الطالباني السابق. لكن شطراً كبيراً من القوات الاميركية أرسل الى هلمند التي تبلغ نسبة سكانها الى مجمل الافغان 1 في المئة. ولكن لماذا أرسلت القوات الى غير وجهتها الاستراتيجية الأبرز؟ الواقع ان الخلافات القبلية حالت دون ذلك. ولا أقصد الخلافات القبلية بين أمراء الحرب الافغان، بل بين جماعات البنتاغون. فالقوات البحرية، «المارينز»، لم ترغب في التعاون مع القوات الكندية والفرق الأخرى الأميركية المنتشرة في قندهار. وطلبت القوات هذه الانتشار في افغانستان في معزل عن القوات الأخرى، وأن تعود اليها السيطرة على جهازها اللوجستي ومروحياتها، الخ. وفي الولاياتالمتحدة، قوات «المارينز» محظية. فمكانتها العالية تخولها فرض شروطها على القيادات العليا، وهي أفلحت في فرضها على الجنرال ماك كريستال، قائد القوات الاميركية السابق في أفغانستان. ودرج السفير الأميركي السابق هناك، كارل إيكنبري، على تناول نفوذ «المارينز» تناولاً يجمع الفكاهة الى الهزل الساخر. وخلاصة رأيه أن قوات التحالف المشاركة في حرب أفغانستان ليست من 41 دولة بل 42 دولة، إذا احتُسب ما سماه دولة «مارينزستان». وأنفق الأميركيون 4 بلايين دولار في افغانستان، وهو مبلغ ضخم لم يستطع البلد هذا استيعابه أو «امتصاصه»، فاستشرى الفساد. وعلى سبيل المثل، تلقت منطقتا قندهار وهلمند في أشهر قليلة 300 مليون دولار لتطوير الزراعة. فبدأ الوجهاء يبيعون الجرارات، وتفاقمت التوترات القبلية، وتفشى الفساد في أوساط الشرطة تفشياً وبائياً يُعتبر سابقة. لن تنسحب القوات الأميركية كلها من أفغانستان في 2014. ويتوقع أن يبقى عدد منها هناك لجمع المعلومات ومكافحة الإرهاب. لكن «طالبان» ستنجح في بسط هيمنتها على أبرز أقاليم البلاد، وحظوظ الجيش الأفغاني في بسط سيطرته في كابول كبيرة. ويرجّح ان يعمّ العنف الدموي أفغانستان. ولا نعلم اليوم على أي وجه سترسو الحرب الأهلية الجديدة التي بدأت ظروفها تختمر. والأمر الوحيد الأكيد هو أن حملة أوباما لإرساء السلام في أفغانستان باءت بالفشل. * رئيس تحرير «واشنطن بوست»، صاحب كتاب «ليتل أميركا» (اميركا الصغيرة)، عن «لونوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية، 18/10/2012، اعداد منال نحاس