حين كان ينقل ما يردده الملك عبدالله بن الحسين ملك الأردن (ت1370ه/1950) في أحاديثه وكتاباته في فترة من الفترات إلى الملك عبدالعزيز كان يقول: «ليس في نفسي والله شيء عليه، ما الذي أساء به إليّ عبدالله؟ إنه أهدى إلينا في إبان احتياجنا وضيق ذات اليد أكواماً من أنواع السلاح الحديث والعتاد والمؤن، وعدداً من الخيل والجيش تركها كلها ليلة «تربة»! وكان هذا ينقل إلى عبدالله فيزداد حنقاً، إذ كانت معركة تربة 1919/1337ه معركة فاصلة في علاقة ابن سعود بالأشراف في الحجاز، لأن تلك الهزيمة القاسية كسرت العمود الفقري للجيش الهاشمي، فجميع ما استولى عليه عبدالله بعد استسلام المدينةالمنورة من السلاح الثقيل والخفيف والآلات والأدوات للدولة العثمانية، خسره بعد أربعة أشهر في تربة، إذ استولى عليه ابن سعود! فالعلاقات بين الدول تقوم على مجموعة من المعطيات تفرضها الظروف والمصالح، وربما تتغيّر تلك العلاقات بين فترة وأخرى تبعاً لذلك، متجاوزة المواقف الشخصية إلى مجال أرحب وأفق أوسع، وتظل العلاقات العربية - العربية جزءاً من نسيج العلاقات الدولية، إلا أن الروابط العميقة والصلات الوثيقة تدفع بها دوماً إلى الأمام بفكر بعض القيادات السياسية ذات الهمة العالية، التي تتجاهل صغائر الأمور في سبيل هموم الأمة الكبيرة. وكانت العلاقات السعودية - الأردنية منذ نشأتها متأثرة بالعلاقات بين ابن سعود والأشراف، إذ ورث عبدالله بن الحسين عن والده مناوأته لابن سعود ومجافاته له، فانتهج معه سياسة غير ودية، فكانت القبائل الأردنية تغير على القوافل النجدية المتجهة إلى الشام، فتنهبها، أو تعتدي على القبائل التابعة لابن سعود، ورداً على ذلك قام الإخوان بمهاجمة تلك القبائل آخر 1340ه، ومع ذلك استمرت غارات العشائر الأردنية في نهب القوافل والقبائل النجدية في السنتين التاليتين، ولم يتوقف الأمر عند ذلك النشاط العشائري الموجه سياسياً، بل أقدمت الحكومة الأردنية على احتلال قريات الملح، وكان الملك عبدالعزيز قادراً على استعادتها بالقوة، ولكنه مال إلى الحل الودّي بوساطة بريطانية، فتريّث حتى نهاية مؤتمر الكويت 1342ه، وبعد فشل المؤتمر، توجهت سرية من الإخوان فتوغلت في أراضي الأردن أوائل 1343ه حتى شارفت على عمّان، ولولا الطائرات والمصفحات البريطانية لدخلوها! ولما أدركت بريطانيا قوة الملك عبدالعزيز، الذي كان يحاصر جدة في تلك الفترة، عقدت معه نيابة عن الحكومة الأردنية «اتفاق جدة» في 15/4/1344ه/ 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1925 الذي حدد الحدود بينهما، وأعاد قريات الملح لابن سعود. وبمرور الأيام، تحسنت العلاقات بوساطة فيصل بن الحسين ملك العراق والحكومة البريطانية، ففي آخر سنة 1351ه/1933 تم الاعتراف المتبادل بين الطرفين بكون الملك عبدالعزيز ملكاً على المملكة العربية السعودية والأمير عبدالله أميراً على شرق الأردن. وفي حين تعفف الناشر الإنكليزي لمذكرات الملك عبدالله عندما ترجمت عن نقل الإسفاف الذي لا يليق أن يصدر عن أمير ينتسب إلى الدوحة الهاشمية! نجد اثنين من مراكز البحث والتوثيق العلمية يرتبطان تنظيمياً بأعلى سلطة سياسية في دولتيهما يشتركان في إعادة نشر مذكرات وآثار الملك عبدالله بن الحسين بعد عقود طويلة من السنوات بطريقة أقل ما يقال عنها إنها غير علمية! ونعرض هنا مراجعة أولية لكتاب «مذكرات أمة» الصادر عن هذين المركزين بتفصيل يحتاج إلى تفصيل. كان عنوان الفصل في المذكرات المطبوعة وهي المصدر الذي يفترض الرجوع إليه هو (الوهابية والوهابيون معارك ومقدرات) واستغرق الصفحات من 160 الى 168، ولكن، تم تغيير العنوان هنا إلى (معركة تربة) من دون أي إشارة! كما تمت في هذا الفصل بصفة عامة إعادة صياغة لكثير من النصوص وحذف كثير من العبارات والمقاطع ودمج الكلام والعناصر من دون أي إشارة! يتكرر هنا المفهوم الخاطئ للوهابية التي يصفها المؤلف بأوصاف هي منها براء كما يجعلها مرة عقيدة ويجعلها مرة أخرى مذهباً. تضمن الكلام معلومة تاريخية خاطئة في اتهامه خالد بن لؤي بقتل شقيقه (بعيجان)، فالمصادر التاريخية تؤكد أنه لم يقم بقتله، وإنما قتله أحد الإخوان المرابطون في الخرمة ردءاً لخالد بن لؤي لسبب غير واضح، وقد أشار العبيّد في «النجم اللامع» إلى قصة قتله مبيناً أن اسمه ناصر ولقبه (بعيجان) وأن قاتله هو (سعد بن سهل) من الروسان جماعة خالد بن جامع، كما ألمح إلى أن قتله كان موجعاً لأخيه خالد ومحزناً له، وليس كما أشار المؤلف! كان جديراً بالقائمين على نشر (مذكرات أمة) محاولة التأريخ لمعركة تربة وأمثالها من الأحداث الهامة لأنها ترد في المذكرات من دون تحديد لتاريخها! وقد وقعت هذه المعركة سنة 1337ه/1919م. 9 أشار المؤلف [ص123] إلى ما قاله له حسين روحي أفندي كاتم سر المعتمد البريطاني في جدة: «إن بريطانيا نصحت بعدم متابعة الحرب ضد الوهابيين وأنها ترى مقابلة الدعاية بمثلها وأنها تعلم أن بيد الوهابيين قوى نشيطة متعصبة ينبغي إخماد نارها بالحكمة...». وكرر كذلك مقالة الصدر الأعظم له التي سبق أن أشار إليها [ص75] ولكن تم هنا حذف جزء من كلام الصدر الأعظم من دون إشارة حيث جاء في «مذكراتي» ص161 ما نصه: «وقال: يجب ألا ننسى مسألة ابن صباح وحماية انكلترا له فالدولة العثمانية غير متفرغة الآن لمسألة تحدثها بجنوب البصرة وشرقي الحجاز». 10 أشار إلى أنه كتب كتاباً إلى أمير نجد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (لم يورد نصه) [ص123] يخبره فيه بانتصارهم في المدينة وبانقضاء حكم الأتراك في البلاد وبأنه متوجه لتأديب خالد بن لؤي الذي خرج عن الطاعة وليس له مقصد آخر وأنه من الساعين لإيجاد الصداقة والولاء بينه وبين والده. ثم أشار إلى عدم رغبته في التوجه ولكن والده أصر على توجهه إلى الخرمة للقضاء على هذه «الحركة المفسدة»، وفي حين لم يرد هنا نص الكتاب أو تاريخه فقد نشره الريحاني (وكان مؤرخاً في 13 ربيع الآخر 1337ه ويظهر من خلاله تعريض بالتهديد، وأشار الريحاني إلى أن ابن سعود جاوبه مهنئاً وداعياً للتفاهم، فرد عليه عبدالله بن الحسين بكتاب في 3 جمادى الثانية 1337ه يظهر فيه المودة واستعداده لتسوية الأمور بين والده وابن سعود). 11 أشار [ص124] إلى أنه رأى الاستيلاء على تربة التي ضربت فيها القوة المصرية في حركة الوهابيين الأولين وأتي على آخرها. وكانت هذه الإشارة قد جاءت في كتاب (مذكراتي) ص 164 مقرونة بمعلومة هامة هي أن تربة كانت في تلك الأثناء تحت تأثير الحركة الوهابية أيضاً، وعلى رغم أهمية هذه المعلومة التاريخية إلا أنه جرى حذفها بكل بساطة. 12 أورد المؤلف [ص 124] نص كتاب الملك عبدالعزيز على الصورة التالية: «بلغني أنك جئت تجر الأطواب والعساكر تريدنا بنجد وحنا ما عندنا بنجد إلا الرمث نتظلل به حنا وعولاتنا. فأنت أعلم أن أهل نجد كافة جاءوك يمشون، مراتهم تسبق رجالهم من أقصاهم في الشمال وأدناهم في الجنوب. وأنا خرجت ونزلت الصخة. وعليه فأنت (انكفئ) لديرتك فإن فعلت فأنا أمنع الأخوان، وإن لم تفعل فبصرك بنفسك»، ثم أورد نص إجابته على عبدالعزيز طالباً منه مخابرة ولي الأمر بمكة. ويلاحظ على كلام المؤلف ما يلي: أولاً: لقد تعرض كتاب الملك عبدالعزيز إلى التغيير في أكثر من موضع مختلفاً عن صورته الأصلية التي جاءت في (مذكراتي) ص164. هذه الاختلافات، وفيها ما هو جوهري، تغير المعنى بحذفه وعلى رغم ذلك لم تتم الإشارة إلى التغيير أو الحذف!! ثانياً: تجاهل تواريخ الرسائل المتبادلة دليل على عدم الدقة أو الثقة في المعلومات الواردة، لأن التأريخ يساعد على ربط الأحداث وتفسيرها. ثالثاً: أشار الريحاني إلى كتاب الملك عبدالعزيز وذكر أنه مؤرخ في 10 شعبان 1337ه أي قبل وقعة تربة بأسبوعين ملمحاً إلى أن الكتاب طويل هو ليس على الصورة التي حاول مؤلف الكتاب إظهارها!! كما نشر الريحاني نص جواب عبدالله بن الحسين مؤرخاً في 23 شعبان 1337ه قبل وقعة تربة بيومين وهو طويل على غير الصورة التي ظهر بها في (مذكرات أمة)! 13 قال المؤلف [ص125]: «ومضت أيام فإذا بجموع الوهابية تصل الخرمة وتجتازها إلينا... وبعد ليال ثلاث جاءوا بمجموعهم... عشائر مطير الدويش ومن معه، وعشائر حرب وعشائر عتيبة وعشائر الدواسر وعشائر قحطان وكافة سبيع أهل نجد والسهول وسبيع أهل الوديان يزاحمون الخمسة والعشرين ألفاً، وكانت القوى التي معي خمسمئة والجند من أهل الحجاز والأرهاط المكتوبة ثمانمائة وخمسين فصبحونا بالخرما، وكانت الملحمة حيث استشهد من الأشراف ثلاثة وخمسون في صفنا ولم ينج من النظاميين إلا ثلاثة ضباط... والذي سلم من القوة العربية الحجازية مائة وخمسون رجلاً... وكان قتلاهم فوق السبعة آلاف...». ولي على هذا الكلام ملاحظات: أولاً: كعادة الناشرين تم التصرف في هذا النص بطريقة تفتقد الأمانة العلمية، حيث جاء النص في (مذكراتي) ص 165 على غير هذه الصورة وعلى رغم ذلك لم تتم الإشارة!! ثانياً: تضمن كلام المؤلف هنا في تقديراته لأعداد قوة الجيشين مغالطات هي عكس الواقع تماماً، بل هي تناقض ما ذكره المؤلف نفسه، فقد أورد كلام والده ص123: «وإن معك من القوة ما لو قاتلت بها كل العرب لتغلبت عليهم»، كما أن المصادر التاريخية تجمع على تفوق الجيش الهاشمي عدداً وعدّة على جيش الأخوان حيث تتعدد الروايات، ففي حين يذكر العبيّد أن عدده كان ثلاثة عشر ألفاً، ويؤكد العثيمين أنه أكثر من عشرة آلاف، كما أشار العثيمين في مصدر آخر أنه لا يقل عن سبعة آلاف، أما الملك عبدالله نفسه فهناك من روى عنه شخصياً قوله: انه كان معه من مكاين الرشاش والمدافع والجند المنظم عدد لا يقل عن الثلاثة آلاف ومعه ما لا يقل عن ثلاثة عشر ألفاً من أهل البادية. في حين ذكر العثيمين أن عدد جيش الإخوان بين الثلاثة آلاف والأربعة آلاف، كما ذكر العبيّد أنه ثلاثة آلاف وخمسمائة، في حين يشير الذكير الى أنهم لا يتجاوزون الألفين، بينما قدر المختار عددهم ب (1500 مقاتل فقط). ولا أدري بعد ذلك كيف أصبح عدد جيش الإخوان خمسة وعشرين ألفاً؟! وعدد الجيش الهاشمي ألفاً وثلاثمائة وخمسين!! ثالثاً: أشار المؤلف إلى أن الناجين من جيشه كانوا مائة وثلاثة وخمسين رجلاً، أي أن القتلى كانوا ألفاً ومائة وسبعة وتسعين قتيلاً، كما ذكر أن قتلى الإخوان كانوا سبعة آلاف وهذه المعلومات لا شك في مجانبتها للصواب، فالخسائر البشرية في وقعة تربة كما قدرتها المصادر التاريخية تناقض كلام المؤلف، فقد قدرها الريحاني بأنها خمسة آلاف من جيش الشريف وخمسمائة من جيش الإخوان، أما العبيّد فيذكر أن قتلى جيش الشريف كانوا تسعة آلاف وقتلى الإخوان كانوا ثلاثمائة وخمسين قتيلاً. رابعاً: ذكر المؤلف مشاركة قبائل عديدة كمطير وحرب وسبيع والسهول والدواسر، وهذه أوهام تنفيها المصادر التاريخية جميعاً، فالمشاركون في جيش الإخوان في تربة هم أهل الغطغط بقيادة سلطان بن بجاد ومعه فئة من قحطان بقيادة حمود بن عمر وانضم إليهم في الخرمة خالد بن لؤي وأتباعه فقط. خامساً: ورد في النص المحذوف أن «عدة من دخل العدة من نسائهم في الأرطاوية قرية هن سبعمائة وخمسون امرأة... وقد بلغني أن راية أهل الرين لم يرجع منها سوى ثلاثة أنفس»... ولا أدري كيف يدخل نساء الأرطاوية العدة ورجالهن لم يشاركوا أصلاً في هذه المعركة؟! بل إن العدد الذي وضعه لقتلى الأرطاوية أعلى من عدد القتلى الإجمالي الفعلي في جيش الإخوان!! والحقيقة أن حذف النص خفف من درجة المغالطات ولكن كان في إثباته دليل واضح عليها!! واستبعاده من دون الإشارة إليه ربما يدل على أن الناشرين أرادوا الحد من هذه المغالطات، المبالغ فيها! ولو على حساب المنهج العلمي الرصين. 14 حذف نص من موضعه في ص [126] من دون أي إشارة لهذا الحذف، كما أنه لا معنى لحذفه، وقد جاء النص المحذوف في (مذكراتي) ص 170، بهذه الصورة: «ولقد طلبت إجراء التحقيقات اللازمة في الهزيمة وأسبابها فلم يوفق»!! 15 وقال [ص126]: «... ولكن لا أتحمل مسؤولية القيادة ثم أغلب وأهزم فأجر على الحجاز رجال نجد...» وقد تعرض هذا النص للتغيير من دون إشارة كالعادة. 16 قال [ص141] في حديثه عن مغادرته معان إلى عمان في القطار في 20 جمادى الثانية 1339ه: «ومما أذكره عن تلك الأثناء، مقابلة الشيخ يوسف ياسين لنا في الزيزاء وقوله لنا: «أرجوكم أن تعودوا إلى معان، فإن المعتدين الانكليز في شرقي الأردن قد انسحبوا إلى فلسطين وأخلوا السبيل لفرنسا كي تخرجكم إن دخلتم». وكانت يده ترتجف وهو متعلق بنافذة القطار فقلت له: لا بأس عليك ولا خوف علينا ثم دفعت يده من ملتزمها فانحط إلى الأرض». وعلى رغم التغيير المهذب الذي لم يلتزم الأصول العلمية، إلا أننا سنتعامل مع النص الأصلي، فالمعروف أن يوسف ياسين في ذلك التاريخ لم يلتحق بخدمة الملك عبدالعزيز بل إنه غادر سورية يوم احتلالها إلى الحجاز ملتحقاً بالشريف حسين في مكة، وقد أشار الزركلي إلى وجوده في مكةالمكرمة في شهر المحرم 1339ه، بل إن يوسف ياسين ظل في مكة عند مغادرة الشريف عبدالله لها أميراً لمعان في 16 محرم 1339ه. ويشير الزركلي أيضاً إلى أنه ويوسف ياسين قاما من مكة إلى عمّان خصيصاً لتهيئة حضور الشريف عبدالله إليها بعد معارضة مظهر الرسلان له، فكان له ما أراد، أي أن قدوم يوسف ياسين إنما كان لدعم تقدم الشريف عبدالله إلى عمّان وليس العكس!! ليتعين يوسف ياسين بعد ذلك سكرتيراً لرئيس حكومة الأمير عبدالله التي تشكلت بعد ذلك (رشيد طليع)، لكن يوسف ياسين بعد ذلك كتب إلى الملك حسين يشكو إليه سوء سيرة ابنه في الأردن فجاءه جواب لم يتوقعه، فخاف نقمة عبدالله بن الحسين وانصرف إلى القدس ثم عاد إلى دمشق ليلتحق بالملك عبدالعزيز سنة 1343ه، فيلاحظ أن في ما ورد حول يوسف ياسين ميلاً إلى الهوى وبعداً عن الموضوعية، كما أن لغة الغمز واللمز نحو الخصوم ظاهرة جلية في الكتاب. 17 قال [ص157] ص214: «وفي منتصف صفر سنة 1343ه... هجم الوهابيون على مدينة الطائف وعقب ذلك نشوب الحرب بين نجد والحجاز... وبتاريخ 5 /3/1343 ه تنازل جلالة المنقذ الأعظم عن العرش... وفي 24/6/1925م أصدرنا الإرادة التالية...» نظراً لتنصيب صاحب الجلالة الهاشمية الملك علي... ضم ولاية معان والعقبة إلى إمارتنا...»، ليرفع علم شرق الأردن في معان بعد ذلك بيوم واحد. وفي كلام المؤلف هذا دلالة واضحة على أن معان والعقبة هي في الأصل جزء من أراضي الحجاز، في حين كان الزج باسم الملك علي الذي كان محاصراً في جدة في هذه الإرادة مجرد تمويه لتبرير ضمهما إلى الأردن! والحجة الواقعية لضمهما في ذلك الوقت بالذات، هي الخوف من استيلاء ابن سعود عليهما باعتبارهما جزءاً من أراضي الحجاز!! ويظهر أن الملك عبدالله بن الحسين لم يصدر هذه الإرادة بصورة عشوائية أو من دون تنسيق خارجي مسبق! 18 استبعد من (مذكرات أمة) بعض البرقيات الواردة من القواد الإنكليز بخصوص الجيش العربي، ولم ينشر إلا برقية الجنرال جورج كلارك، وباجت، فيما استبعدت برقيات مكمايل المؤرخة في 3/6/1941م، والجنرال ولسون في 4/6/1941م و2/7/1941م من دون أي تنويه عن ذلك، في حين أنها جاءت في كتاب (مذكراتي) ص235، ص236. 19 وقد حذفت من [ص184] كلمة الملك عبدالله في قوات الجيش العربي الأردني بعد رجوعها من العراق وذلك في 9/5/1360ه، وحذف كذلك رسالة لنوري السعيد ورد الملك عبدالله عليها من دون أي توضيح لذلك. 20 تحت عنوان الوضع سنة 1942م [ص184] تمت إعادة صياغة العبارات والإضافة عليها بحيث ظهر الاختلاف بين ما جاء هنا وما جاء في كتاب (مذكراتي). 21 وقال في حديثه ضمن مذكرته إلى حكومة العراق [185]: «... ثم صدور الأمر السلطاني إلى والي مصر بالتوجه إلى الجزيرة العربية أيام محمد بن عبدالوهاب...». يظهر هنا عدم دقة معلومات المؤلف فالمعروف الذي تؤكده المصادر التاريخية أنه حين غزت الجنود المصرية الجزيرة العربية سنة 1226ه كان محمد بن عبدالوهاب قد توفي قبل ذلك بعشرين سنة، وبالتحديد في سنة 1206ه. 22 حذفت من مذكرات أمة [ص189] الأسطر التي جاءت في كتاب (مذكراتي) ص254 ونصها: «ولا تزال المملكة الحجازية منضمة إلى نجد وهي عقدة العقد لدى البيت الهاشمي وعقدة العقد لدى العالم الإسلامي بأجمعه في حجه وزيارة قبر نبيه، إذ إنه محظور على هذا العالم الكريم من أن يقوم بواجبات معتقداته كما يريد، وأن الأقلية المتعصبة المتحكمة فيه ليس لها في قديم الإسلام ولا جديده من فضل، وهذا لا ينبغي أن يغفل أمره»، وعلى رغم أن هذا الكلام غير موضوعي البتة، إلا أنه يظهر بجلاء موقف الملك عبدالله بن الحسين من آل سعود في تلك الفترة، ولكن حذفه تم كالعادة من دون إشارة. 23 قال [ص189]: «... كما أن من واجب بغداد وعمان لفت نظر النحاس باشا إلى أن يطلب باسم المؤتمر من الحكومة العربية السعودية إيجاد إدارة دستورية وحكومة مسؤولة بالحجاز قائمة على هذا الأساس لتأمين الرقي واستكمال أسباب الدفاع، حتى تتمكن الحكومة هناك من اكتساب ثقة العالم الإسلامي» وهذا النص في الواقع مختلف عن النص الوارد في (مذكراتي) ص255، ولكن لم تتم الإشارة إلى هذا الاختلاف، كما أن فيه اتهامات واضحة للسعوديين وتقليلاً من شأنهم وتدخلاً واضحاً في شؤونهم الداخلية!! 24 في فصل سورية [ص196] ورد كلام ومخاطبة لأهل الشام حاضرة وبادية في بيان مؤرخ في 3/4/1362ه، ومذكرة إلى الحكومة البريطانية بشأن سورية تاريخها 18/5/1943م وملحق بها ورسائل متبادلة مع فارس الخوري، ولم ترد كل هذه الأشياء في نفس الفصل ص266 من كتاب (مذكراتي) الذي وردت فيه معلومات أخرى مختلفة! وعلى رغم هذا التباين الواضح، إلا أن ناشري الكتاب تجاهلا الإشارة إلى ذلك!! ثالثاً: التكملة: 1 نشرت في [ص224] رسالة عبدالله بن الحسين إلى الملك فيصل آل سعود الذي كان في باريس لحضور اجتماع هيئة الأممالمتحدة المنعقد كما ذكر سنة 1948م وكانت الرسالة مؤرخة في 30/9/1947م !! ولعل في ذلك خطأ مطبعياً كان حرياً ألا يفوت على مراكز علمية مرموقة مرتبطة بالتاريخ!! 2 [ص237] تم حذف نص يتهم فيه المؤلف صراحة بعض المستشارين بتدبير اغتيالات لشخصيات سياسية في سورية مع إشارة في حاشية الصفحة نصها: «النص كامل في الآثار الكاملة للملك عبدالله بن الحسين»، ولكن، من دون ذكر لرقم الصفحة أو بيان للطبعة، كما أنه ليس في هذه الإشارة ما يفيد بحذف جزء من النص الأصلي بل هي مجرد إحالة ناقصة!! ولا شك في أن في هذا تدليساً واضحاً على القارئ! وقد تم أيضاً إضافة عبارة: «بخصوص الاغتيال السياسي المنجور» في حين تم حذف عبارات أخرى وإلصاق النص ببعضه البعض من دون أي إشارة لذلك مما يوهم باتصاله. 3 جاء في [ص241] ما نصه: «وسلطت علينا في أرض الحرمين الشريفين أمة من الأعراب»، ثم أشير في الحاشية إلى أن النص الكامل في الآثار الكاملة من دون ذكر لرقم الصفحة أو بيان للطبعة، والحقيقة أنه قد تم بتر النص بطريقة غريبة وقد سبقت الإشارة إلى هذه الطريقة التي سار عليها ناشرا الكتاب. 4 [ص 246] تم بتر نص يتعلق بالحجاز ونجد ووضع إشارة في الحاشية بأن النص كله في الآثار الكاملة، من دون تحديد الصفحة أو بيان الطبعة أو تنويه بالبتر، وهي الطريقة الغريبة التي سبقت الإشارة إليها، والنص كما ورد هنا هو: «أفلم تسمعوا بما يقوله المسافرون منكم إلى نجد والحجاز وهم كثيرون». 5 [ص247] جاء فيه حوار بين الملك عبدالله والدكتور القدسي بهذه الصورة: «وأحسب أن سفري إلى نجد لم يأت بفائدة. الدكتور القدسي: اعتقد يا صاحب الجلالة أنه أفاد. جلالة الملك: وكيف تقولون دولتكم إنه أفاد» ثم بتر النص ووضعت الإشارة المعتادة في الحاشية إلى أن النص كامل في الآثار الكاملة من دون ذكر لرقم الصفحة أو بيان للطبعة أو تنويه بالبتر. 6 [ص247] قال: «فكيف أن الجهود التي بذلتها والوطن الذي نشبت فيه الثورة، وأخرجني منه الأعراب الغلاظ القلوب لأجلكم ولأجل فلسطين»، ثم بتر النص ووضعت الإشارة المعتادة في الحاشية إلى أن النص كاملاً في الآثار الكاملة. 7 [ص248] قال: «فالعراق والأردن في هذا العصر يحملان مشعل الوحدة والتقوى... ولا يضرهما تكالب أرباب المنافع الذاتية أو الدعائية المغرية... ان الذين يريدون حبس العرب ومنع تقدمهم ليسوا في العراق ولا في الأردن...». ولا شك أن في هذا الكلام بعداً عن الموضوعية، حيث قصر الحرص على مصلحة العرب على الهاشميين في العراق والأردن، ولم يكتف بذلك بل أخذ في التعريض بقيادات العرب الأخرى والإساءة إليها. 8 جاء في [ص 258259] وتحت عنوان (الملك عبدالعزيز آل سعود) ما نصه: «ثم عدت وسافرت وهناك رأيت جلالة الملك عبدالعزيز ووقفت على آرائه ونياته الحسنة... ولا بد لي من التحدث عن شخصية الملك عبدالعزيز في أثناء زيارتي لجلالته، فأنا أقر بأن جلالته من دهاة العرب في العصر الحاضر حلو المعشر أصحل الصوت لطيف الكلمات والجمل، وهو سعد النزيل ومكرم الضيف رزقه الله ما شاء من البنين والحفدة ومهد له كل ما أراده، وقد صادف قرمين من العرب كل منهما أشجع من أسامة ولكنه عرف كيف يتقي بأسهما ثم يتخلص منهما، وإنني أشعر باحترام قلبي لجلالته إذا أنه عاملني بما أحب من صراحة في السياسة تبيان للحقائق وعدم اعوجاج فيما رسم من خطط». هذا ما ورد هنا وهو نفسه الوارد في الآثار الكاملة، والحقيقة أن هناك بقية للنص سقطت في كليهما ولكنها وردت في النص الأصلي في كتاب التكملة المطبوع في القدس سنة 1951م وهي قوله: «هذا وللأمير سعود نجله من المكانة لدي ما لم يشاركه فيها بعد أبيه من آل سعود أحد». فهل الناشران لم يعلما عن هذا السقط لعدم رجوعهما إلى المصدر الأصلي فيكون في ذلك مخالفة واضحة لمناهج البحث العلمي؟! أم أنهما حذفاه كما حُذف غيره من النصوص من دون أي إشارة أو تنبيه فيكون في ذلك تدليس على القراء وتلاعب بالنصوص وتغافل عن الأمانة والأصول العلمية؟! 9 [ص273 274] جاء ضمن حديث عن الحج: «نذكر هذا راجين من القائمين على الحج اليوم أن يعلنوا ما وجب مما فرضوه على الناس من جعل وأتاوات...»، ثم يذكر الالتماس الذي قدمه له حجاج من المغرب ليتوسط لهم عند الملك عبدالعزيز ويورد نصه المؤرخ في 5/9/1950م ثم يورد نص برقيته إلى الملك عبدالعزيز المؤرخة في 6/9/1950م وجواب الملك عبدالعزيز في 6/9/1950م . ولا يخفى أن مثل هذه الأحاديث عن الأتاوات لها تأثير سلبي في صورة الملك عبدالعزيز أمام العالم الإسلامي والتقليل من قدرته على إدارة الحرمين الشريفين!! في حين لم تكن هذه الرسوم إلا التكاليف التي يدفعها الحجاج للخدمات كالسكن والمواصلات والإعاشة وغيرها، وهي مقننة ومحددة لكافة الحجاج حماية لهم من الاستغلال ولا يدخل خزينة الدولة شيء منها بل هي تصرف على الحجاج أنفسهم!! وهذا ما أوضحه الملك عبدالعزيز في جوابه المنشور مع تسامحه في التجاوز عن هذه الرسوم إذا كان هؤلاء يمتلكون القدرة المادية على تصريف أمورهم!! 10 [ص278] في حديث بعنوان المدينةالمنورة جاء: «... وأنها وإن أزيلت بها قباب ومراقد، فإن حرمتها لا تزول وعن طيب الذكر لا تحول رغم كل حاسد وجاهل...». فالمؤلف يتحدث عن أمور عقائدية هي من أصول الدين ومن المعلوم أن إزالة القباب والمراقد المقامة على القبور من قواعد التوحيد التي حرص عليها الإمام محمد بن عبدالوهاب وكل من سار على عقيدة السلف الصالح، وهو مسار الدولة السعودية في أدوارها الثلاثة، والمؤلف ينافح عن هدم القبور هنا ربما لدافع عقيدي ثبت بطلانه، وربما لدوافع سياسية، وربما لدوافع أخرى لا نعلمها. الجزء الثاني: أولاً: من أنا؟ (ص334 424 ) قال المؤلف [ص423]: «من الواضح الملموس أن البلاد العربية تقسمت زعامتها فئة من الناس تضع نصب العين الحرص على الحكم والتحكم مرة بالعصبية ومرة بالحزبية وأحياناً بالقوى الأجنبية، ولم يكن للأمة العربية نصيب في زعمائها من ناحية النزاهة والابتعاد عن الأغراض والفوائد الشخصية والحزبية والعصبية المذهبية وأخيراً السمسرة...» ولا شك أن في كلام المؤلف تعميماً لا يليق، وتعريضاً لا ينبغي، كما أن فيه تزكية واضحة للنفس، وهذا الأسلوب هو السائد في كل أجزاء هذه المذكرات ثانياً - المنثور: (ص 451456) اشتمل على تأبينه لأبيه وبيان إلى الأمة العربية لمناسبة وفاة شقيقه فيصل وحديث عن نجله طلال وكلمة لنفسه بعنوان (نبذ وشعور) يظهر أنها كتبت كمقدمة لديوان شعر وقد يكون محلها في غير هذا الموضع من الكتاب! لكن المتأمل لما فعل القائمون على نشر الكتاب لن يستغرب وجود أي خطأ آخر! ثالثاً: المنظوم (ص457 489) وهو عبارة عن ديوان شعر تضمن حوالى 43 منظومة ما بين قصيدة ومقطوعة وتشطير، ومن الملاحظات عليه: 1 [ص459] وردت قصيدة بعنوان (الصورة) في نصفها الأخير تعريض وتحريض على حرب (عدو الله) الذي استولى على مكةالمكرمة ولا شك لدي في أنه يعرّض بالسعوديين ولكن ذلك مما لم يلتفت إليه ناشرو الكتاب أو يعلقوا عليه! 2 [ص482] قال المؤلف ضمن مقدمة القصيدة (ذو سلم): «يظهر من هذا أن الحج على السكك الحديدية والسيارات والطيارات غير مستحب...». ونحن نقدر مكانة الملك عبدالله بن الحسين ولكن الأمور الدينية غير خاضعة للآراء الشخصية أو الانطباعات الفكرية أو المشاعر العاطفية بل هي نابعة من مصادر التشريع الإسلامي ويحددها المتخصصون والمجتهدون من علماء الدين. 3 ورد [ص484] ضمن قصيدة (البر والإحسان) تعريض بل هجاء صريح للسعوديين، وتحريض ضدهم ومنها: «ورب كريمة الجدين رود تطل فتفضح البدر التماما يروعّها بأبطحها زنيم فيسلبها الدمالج واللثاما علام رضيتم بوضيع قومٍ تحكم فيكم عاماً فعاما لغارب هاشم قد جبّ عمداً وأعدمها الكواهل والسناما إذا ترك العزيز الأمر يوما يُنادى بالوضيع أتى إماما». فهل نحسن الظن ونقول إن الناشرين لم يتنبها إلى هذه الأبيات لذلك فهما لم يعلقا عليها؟! ولكن، لنتساءل لماذا لم يلجآ هنا إلى طريقتهما الغريبة المريبة التي أشرنا إليها سابقاً في التعامل مع نصوص المذكرات؟! فهل فات عليهما ذلك أم أنهما يقران ما جاء في الأبيات؟ أم أنهما تعمدا تمريرها؟! وعلى أي حال، فإن الأصول العلمية تقتضي إثباتها وليس حذفها كما تعاملا مع النصوص الأخرى! ولكن يفترض بالمراكز العلمية الرصينة التعليق على مثل هذا التجاوز لأنه أمر تقتضيه الموضوعية ولو كان تعليقهم مجرد إشارة إلى أن هذه الأبيات هي مجرد وجهة نظر المؤلف! * باحث ومؤرخ سعودي