أثارت الغرامة التي كشف عنها وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الداخلي الدكتور عبدالرحمن الهزاع قبل أيام وقدرها نصف مليون ريال عقاباً لحالات القذف والتشهير في الصحف والمواقع الإلكترونية، ردود فعل إيجابية، لكن بعض الكتاب أبدى تخوفاً من أن تتحول هذه العقوبة إلى ذريعة لتحجيم حرية الرأي وخفض سقفها. كما أن كتاباً رأوا أن مثل هذا القرار أكبر من إمكان وزارة الثقافة والإعلام، وأنه يحتاج إلى تضافر جهات عدة. وأكدت الكاتبة سهام القحطاني ل«الحياة» أن سنّ عقوبة للقذف والتشهير والتطاول «إجراء عملي جيد يحافظ على كرامة الإنسان، بشرط ألا تُصبح تلك العقوبة ذريعة لتكميم الأفواه وخفض سقف حرية الرأي والصمت عن كل خطأ أو مُخالفة، وحماية الخارجين عن القانون في أي مجال، وأظن أن هذا المأزق سيواجه سنّ تلك العقوبة. كما أننا لا نعرف معايير حدّ التجاوز للقول أو الوصف الذي يوجب العقوبة وحدّ القبول للقول أو الوصف الذي هو من قبيل الاختلاف الفكري، فليس كل تطاول يمثل قذفاً أو تشهيراً». وطالبت القحطاني بتأطير تلك العقوبة وتشريطها، معتبرة ذلك أمراً ضرورياً «حتى لا تتحوّل إلى قامع للرأي الآخر وللاختلاف الفكري، إضافة إلى أن سنّ عقوبة للقذف ليس هو الحل الأنجع في هكذا أمر فهو حل يتجاور مع حل آخر». ولفتت إلى أن «ظاهرة التساهل في الشتم والسب والقذف مؤشر على ما يُعانيه الشباب وبعض المثقفين ورجال الدين، من فقدان أدب الحوار والاختلاف واتصافهم بالعنف اللفظي». ورحب الدكتور عبدالرحمن الحبيب بقرار الغرامة، موضحاً أنه «سيعمل على التقليل من ارتكاب جرائم القذف والتشهير. هذا كتأثير مباشر، إنما التأثير الأهم والمتوقع لمثل ذلك القرار هو أنه سيساعد على نشر ثقافة مدنية، ثقافة ترفض القذف والتشهير وتمييزها عن النقد. ثقافة تتعامل مع الخصوم وفقاً لأسس قانونية وليس لمزاج منفلت. فلأن القرار له أساس أخلاقي ومن ثم مسوغ تشريعي فإن التأثير المتوقع هو نشر ثقافة تحاسب مرتكبي القذف حتى لو كان مرتكبها باسم رمزي أو مزيف ولا يطاله أي قانون، فسوف تطاله المواقف الأخلاقية التي سترفضه والتعليقات المستهجنة التي سيواجهها». وقال: «إن مثل هذا القرار يساعد في نشر الوعي الذي يفرق بين ما هو أخلاقي وما هو لا أخلاقي في الرد على الخصوم. ويساعد في إنضاج الوعي ليميز ما هو نقد مهما كان قاسياً وشخصياً وبين ما هو سب وشتيمة واتهام تحاسب عليه كافة الأعراف والقوانين إذا لم يثبت المتهِم صحته. لذا فإن أفضل مواجهة للقذف والتشهير الذي يأتي من أصحاب الأسماء المستعارة هو في رفع الحس النقدي ورفع الوعي المدني عبر وسائل عدة من ضمنها هذا القانون المدني». واعتبر الروائي محمد المزيني أنه أمر مهم أن تخطط وزارة الثقافة والإعلام «لفعل مثل هذه الأشياء ذات القيمة الإنسانية العالية، تلك التي لا نزال نراها كالحلم، ومن السهل جداً التصريح بهذا الرقم -أعني النصف مليون أو حتى ال60 مليون- من مسؤول لم يشمل تصريحه بخطة إجرائية عملية لتنفيذ هذه الغرامة، حيث يدخل ضمناً في مشروع كامل نسميه قانوناً محدداً مشمولاً بأدوات وآليات ينفذ من خلالها هذا النظام أو القانون»، موضحاً أن تصريح «الهزاع» لم يتضمن كل هذا، وكأنه أطلق رصاصة حرة في هواء طلق. قد نفهم منها التلويح بما يشبه الوعد والتهديد بقصد التخويف، ولكن هذا لا يمكن أن يصدر من هيئة اعتبارية بحجم وزارة الإعلام، لأن ما تتحمله الوزارة من أعباء ضخمة سابقة لهذه النوايا أجدر بالاهتمام والعناية، ولعل من أولويتها تحرير مؤسسات المجتمع المدني من تدخل الوزارة المباشر بها كالأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون وتحريرها أيضاً من سلطة الآخرين مهما علا شأنها، كما أن عليها تحديد هوية الثقافة الوطنية وصياغتها كمشروع يتضمن استراتيجيات للعمل الإعلامي والثقافي». وقال: «عندما تكتمل لديها هذه البنية فستجد أن أمامها مسؤوليات كثيرة منها: تحديد مفهوم واضح للحرية الإعلامية وحمايتها بما يكفي من خلال سن قوانين ضامنة، ثانياً: حماية حرية الإعلام والنشر والخلاص من مقص الرقيب الذي لا يزال يطارد العملية الإبداعية بطريقة عشوائية، تخضع لمزاجات العاملين بالوزارة. وتحديد مصطلحات معيارية لمعنى التجاوز والقذف والتشهير، ثم وضع عقوبات لكل حالة على انفراد، وهذا يتطلب عملاً ممنهجاً وخططاً استراتيجية مدروسة وهذا مالا يمكن أن يعلن عنه من خلال تصريحات تشبه الفرقعات الفارغة». وقال الدكتور عبدالله الكعيد: «مع احترامي للزميل الدكتور عبدالرحمن الهزاع وطاقم وزارة الثقافة والإعلام أقول إن الموضوع، في ما يبدو لي وقد أكون مخطئاً، أكبر من قدرات وزارته. أقصد أن القضيّة لها أبعاد متعددة يدخل من ضمن إبعادها النواحي العدلية (القضاء) ولا أضمن في هذا البعد بالذات حيادية الأحكام، لا سيما وبعض القضاة في بلادنا ما زالوا يتمسكون بنصوص كانت صالحة في زمن مضى لكنها قطعاً لا تناسب زمن الإنترنت ومنتجاته. وحتى لو أُحيلت تلك القضايا للجنة الخاصة في وزارة الثقافة والإعلام إلا أن الطابع الشرعي(الديني) هو الفيصل في النهاية». وأضاف: «من هُنا لا أجد نفسي في ميل نحو تصديق إمكان الحد من حالات القذف والتشهير بسبب أن بعض المحتسبين يعتبرون التشهير بالمخالف والدعاء عليه وحتى لعنه تقرباً إلى الله زلفى وكسباً للأجر والثواب». وأوضح الكعيد أننا أمام حقيقة لا يمكن إنكارها، «إما أن تكون ضمن القطيع لكي تدخل منطقة أمانهم أو تُغرّد خارج السرب لتحل عليك اللعنات. الدُعاء على الكاتب أو المثقف في المنابر لا تستطيع وزارة الثقافة والإعلام ولا حتى وزارة الشؤون الإسلامية المعنية بتلك المنابر التحكّم بما يُقال فيها من خروج على النص. وأقول أخيراً للصديق الدكتور الهزّاع (إيه هيّن) ».