رسخت الاشتباكات التي وقعت الجمعة الماضية في ميدان التحرير بين مؤيدين للرئيس المصري محمد مرسي ومعارضين له الانقسام والفجوة بين جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفائها السلفيين من جهة، والقوى الليبرالية واليسارية والثورية من جهة أخرى. وبدا أن الأيام المقبلة ستشهد احتدام الصدام بين الطرفين مع اقتراب الجمعية التأسيسية التي يهيمن عليها الإسلاميون من إنجاز مشروع الدستور المثير للجدل، والذي سيتبع الاستفتاء عليه انتخابات تشريعية ينظر إليها على أنها ستكون مفصلية لكل الأطراف. وأمام هذا المشهد المقلق، دعت شخصيات عامة إلى نزع فتيل الصدام، لكن هذه الدعوات رُفضت من الجميع. وتصاعدت أمس حرب البلاغات والدعوات إلى تظاهرات مليونية بين الطرفين على خلفية أحداث مليونية «كشف الحساب» التي أسفرت عن جرح 143 شخصاً حين هاجم أنصار الرئيس متظاهرين هتفوا ضده. وتقدمت أمس أحزاب وقوى ليبيرالية ويسارية على رأسها «حزب الدستور» الذي يقوده المعارض البارز محمد البرادعي و «التيار الشعبي» الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي ب53 بلاغاً اتهمت قيادة جماعة «الإخوان» بالاعتداء على المتظاهرين السلميين، كما حمل هؤلاء مرسي مسؤولية سقوط جرحي. وفي المقابل، تقدمت جماعة «الإخوان» بثلاثة بلاغات اتهمت فيها «مسجلين خطر» بحرق باصين للجماعة في الميدان خلال الأحداث وإصابة 71 من أعضائها. ورفض القائم بأعمال رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان»، عصام العريان تحميل جماعته مسؤولية أحداث التحرير، داعياً من لديه أدلة إلى «تقديمها إلى النيابة». وقال: «لدينا إصابات بين صفوف أعضائنا ومع هذا لم نتهم القوى الليبرالية بل تقدمنا ببلاغات تتهم بلطجية». «مصر مش عزبة» ودعا 34 حزباً وحركة ليبرالية ويسارية إلى تنظيم مليونية الجمعة المقبل تحمل شعار «مصر مش (ليست) عزبة، مصر لكل المصريين» للرد على «هجوم أنصار الإخوان المسلمين على المتظاهرين». وحمل الداعين إلى المليونية وفي مقدمهم «حزب الدستور» و «التيار الشعبي» في بيان أصدروه عقب اجتماع، الجماعة والرئيس مسؤولية أحداث مليونية «كشف الحساب»، مطالبين «الإخوان» باعتذار رسمي عن أحداثها. واعتبر البيان أن «شيئاً لم يتغير في سياسات من يحكمون وأساليب مواجهتهم لمعارضيهم». وأوضح: «نجد بعض المنتمين إلى الحزب الحاكم يكرر نفس أخطاء النظام القديم، بل نرى الحزب الحاكم يضع الناس في صدام يسيء بتوابعه وآثاره إلى الوطن، وصورته أمام العالم وقدرته على النهوض باقتصاده والاستقرار به». وأكد أن «الدعوة إلى التظاهر مرتبطة بالمطالبة بحق الشهداء والمصابين في كل الأحداث التي وقعت منذ اندلاع الثورة مع تحميل الرئيس مسؤولية الحصول على كل المعلومات المتعلقة بهذه الأحداث من الأجهزة السيادية المعنية وتقديم المسؤولين عنها والمتهمين فيها فوراً إلى محاكمات عاجلة تحقق مفهوم العدالة الانتقالية». وطالب بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية «في شكل متوازن لكتابة دستور يمثل كل المصريين، واتخاذ إجراءات واضحة لتحقيق العدالة الاجتماعية والاهتمام بالمشاكل اليومية للمصريين». في المقابل، هددت قوى وأحزاب إسلامية أمس بالتظاهر في «مليونيات غضب» الأيام المقبلة احتجاجاً على «تراجع الرئيس» عن إقصاء النائب العام عبدالمجيد محمود من منصبه وللمطالبة بإقالة الأخير. وأصرت جماعة «الإخوان» و «الجماعة الإسلامية» على مطالبة النائب العام بالتنحي، معتبرين أن «إطاحة النائب العام مطلب شعبي». ورأت «الجماعة الإسلامية» في بيان لها أن «النائب العام فقد صلاحيته لهذا المنصب، كونه ممثلاً للنظام السابق وسنداً له في مواجهة معارضيه وقام بالتستر على جرائمه وفساده». وأكدت أنها ستسعى إلى «التنسيق مع القوى السياسية الثورية وأهالي الشهداء والألتراس من أجل استمرار الضغط الشعبي للمطالبة بإقصاء النائب العام عن موقعه وإسناد هذا المنصب المهم إلى أحد رموز تيار استقلال القضاء ليدافع عن الثورة وعن حقوق الشهداء». ونظم عشرات من أعضاء حزب «مصر القوية» الذي يقوده الإسلامي المعتدل عبدالمنعم أبو الفتوح وقفات احتجاجية مساء أول من أمس في محافظات عدة «للمطالبة بالكشف الفوري عن أسماء كل المسؤولين الأمنيين في الأجهزة الأمنية والمخابراتية الذين أتلفوا أو أخفوا أدلة اتهام قتلة الثوار أثناء أحداث الثورة، وإحالتهم على محاكمة عاجلة». وطالب المتظاهرون الرئيس ب «إصدار قانون السلطة القضائية بما يكفل استقلالاً كاملاً للقضاء». وشددوا على «ضرورة إعادة المحاكمات في كل قضايا أحداث الثورة». وأمام الارتباك الذي ظهر على مؤسسة الرئاسة خلال أزمة النائب العام، طالب أبو الفتوح الرئيس ب «إعادة النظر في فريق مستشاريه»، منبهاً إلى ضعف مؤسسة الرئاسة «بسبب بعض هؤلاء المستشارين». لكنه حمل على النائب العام «مسؤولية براءة قتلة الشهداء». وقال إن «إقالة النائب العام مطلب ثوري، طالبنا به منذ الأيام الأولى للثورة». واعتبر أن الاشتباكات التي حدثت في ميدان التحرير الجمعة «كانت سوء تقدير من جميع الأطراف لإدارة الأزمة». محاكمة شفيق وشن المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق رئيس آخر حكومات الرئيس المخلوع حسني مبارك، هجوماً ضارياً على جماعة «الإخوان» وحزبها في تسجيل مصور عبر الإنترنت من دولة الإمارات حيث فر بعد الانتخابات، تزامناً مع بدء محاكمته أمس وابني مبارك علاء وجمال بتهم فساد. ووجهت النيابة العامة أمس إلى شفيق 10 اتهامات بينها «التربح والإضرار بالمال العام وتسهيل الاستيلاء على الأراضي والتزوير في أوراق رسمية». وأرجأت محكمة جنايات القاهرة إلى 18 الشهر المقبل النظر في قضية تسهيل شفيق استيلاء ابني مبارك على أرض مملوكة لجمعية الطيارين، وكلفت النيابة تشكيل لجنة من الاختصاصيين لاستكمال نقل ملكية الأرض إلى الجمعية خلال ثلاثة أسابيع. وتجاهل شفيق في رسالته المحاكمة. واعتبر أن مصر تواجه «لحظات عصيبة وكاشفة... تضع آمال الشعب المصري في التغيير والتطوير والإصلاح على مقصلة الإهدار التي ستعود بمصرنا ليس إلى ما قبل الثورة بل إلى عصور ما قبل الديموقراطية والمؤسسات». في غضون ذلك، شهدت جلسة محاكمة صاحب قناة «الأمة» الفضائية الداعية السلفي أحمد عبدالله الشهير ب «أبو إسلام» وآخرين في واقعة اتهامهم بحرق نسخة من الإنجيل خلال تظاهرات أمام السفارة الأميركية، اشتباكات بين أنصاره والمحامين المدعين بالحق المدني بعد صدور قرار بإرجاء الجلسة إلى الأحد المقبل للاطلاع. وتعدى بعض أنصار «أبو إسلام» بالسب والقذف على المحامي القبطي ممدوح رمزي عقب انتهاء الجلسة، كما حاولوا الاعتداء على المحامي نجيب جبرائيل في بداية الجلسة. وعقب صدور قرار الإرجاء ألقى «أبو إسلام» خطبة عند مدخل المحكمة اتهم فيها المحامين الأقباط ب «الخيانة والتعامل مع أقباط المهجر»، معتبراً أنهم «من يشعلون الفتنة الطائفية من أجل الحصول على أموال من الخارج».