في عام 2009 وقعت بمقر وزارة المالية السعودية مذكرة تفاهم بين الوزارة، ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة، وشركة «بي أس أيه للشرق الأوسط وأفريقيا»، التابعة لهيئة موانئ سنغافورة، لدراسة جدوى إنشاء شركة مشتركة لتمويل وبناء وتشغيل محطات للحاويات في بعض موانئ المملكة. هذه المذكرة لم تكن مذكرة عادية، على رغم أنها مرت مرور الكرام من دون أن تُعطى الأهمية الكاملة، إلا أنها حملت في طياتها مفاجآت ضخمة، وأتوقع أن تحمل المزيد في المستقبل، لكنها أعطت إشارات مهمة بتغير عميق داخل صندوق الاستثمارات العامة ومن خلفه وزارة المالية، في النظرة للاستثمارت العابرة للقارات، وتنويع وجلب الخبرات الدولية النوعية للمملكة. إذ بالفعل نشأت الشركة بين صندوق الاستثمارات العامة وبين هيئة موانئ سنغافورة، لتصبح ذراعاً لاستثمارات واعدة وكبرى في صناعة الموانئ السعودية خلال العقدين المقبلين. وما أكد ذلك، كان الخبر المنشور الأسبوع الماضي، عن أول نتائج تلك المذكرة، وهو قيام وزير النقل السعودي بوضع حجر الأساس لمشروع إنشاء محطة الحاويات الثانية بميناء الملك عبدالعزيز بالدمام، مستندين على تلك المذكرة التي أتاحت للمملكة الدخول في عالم صناعة الموانئ العالمية من أوسع أبوابها، كما أن ذلك التدشين أوضح الأهمية الكبرى لتلك المذكرة التي أنجزتها وزارة المالية السعودية قبل عامين فقط. فمن خلال تلك الشراكة الإستراتيجية مع واحدة من أكبر رواد إدارة وإنشاء الموانئ في العالم، استطاعت المملكة في خلال سنتين فقط البدء في توسعة ميناء الدمام، ولتتمكن المحطة المزمع إنشاؤها من مناولة أكبر سفينة حاويات في العالم، وليصبح الميناء واحداً من أكبر موانئ الخليج العربي، ونقطة اتصال جديدة بين الشرق والغرب، وبديلاً حقيقياً لمن عاش ويعيش، مع الأسف، على مشكلات موانئنا في المنطقة. المهم في الموضوع أن المذكرة وقعت مع هيئة موانئ سنغافورة، وهي هيئة رائدة جداً في مجال إدارة الموانئ العالمية، إذ قامت وتقوم بإدارة وتشغيل موانئ عالمية عدة وبكفاءة عالية، وهو ما يعني أن المملكة قادرة خلال سنوات قليلة جداً على الخروج من صندوق الفرص المتاحة محلياً إلى الفرص العالمية وإدارة موانئ حول العالم. وهذا يعني تغيراً إستراتيجياً ضخماً في رؤية وزارة المالية، التي يجب أن يجير لها هذا المشروع الرائد، لكنه تغير صامت وبلا ضجيج يصب في مجال تنوع الاستثمارات، وتحسين ببيئة «المسافنة» والتخزين وعمليات الموانئ التي أرهقتها عقود التشغيل المحلية. هذه المبادرة تفتح نوافذ الأمل من جديد في تنويع مصادر الدخل، وتعميق مفاهيم الاستثمار المتخصص، بعد أن وجدت الكثير من الدول فرصاً هائلة لدعم اقتصادياتها وتنويع استثماراتها، معتمدة فقط على مشكلات الأعمال لدينا، وليس أخيراً من عرض موانئ تركية على تجار سعوديين بتخزين بضائعهم في تركيا ومناولتها لهم عن طريق البر، أو عن طريق سفن تركية صغيرة حلاً لمشكلة ميناء جدة. مثل هذه المبادرات التي قادتها وزارة المالية واستفادت منها وزارة المواصلات؛ «في وجهة نظري» هي مثل تلك «النبيتات الخضراء» التي تظهر في بدايات الربيع، فهي تبشر «بربيع اقتصادي ممتاز» متى ما تنوعت الفرص، وأديرت بشكل محترف، لكنه أيضاً من السهل أن يُقضى عليه «أي الربيع» بإرهاقه بالبيروقراطية وقتله برداءة التشغيل. [email protected] @dad6176