هل تحتاج ألعاب السيرك وعروض الشارع المجانية التي تبعث الأمل في نفوس جمهور محروم من حقوقه، إلى تصريح من الجهات الأمنية في مصر؟ معروف أن هذه التظاهرات الثقافية تحتاج إلى موافقة شفوية فقط. ولكن الجهات الأمنية قرّرت هذه المرّة أن ترفض طلباً مكتوباً تقدّمت به مؤسسة المورد الثقافي لتنظيم مهرجان القاهرة للسيرك «سيركايرو». حتى اللحظة الأخيرة قبل بدء الافتتاح، بقي مصير المهرجان معلقاً بيد مدير أمن القاهرة. ولولا ضغوط من وسائل الإعلام وناشطين في الوسط الثقافي، لحُرم الأطفال من مشاهدة المشي على الحبال وعروض البلهوانات وأوبريت الليلة الكبيرة. لكن في النهاية، انتصر الشارع وسمحت الجهات الأمنية ببدء المهرجان الذي يستمر حتى 20 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، في القاهرة والمنصورة والمنوفية، سواء في الساحات العامة أو في المسارح مثل الجنينة والجيزويت والفلكي. ويقدّم أطفال من مدرسة «الدرب الأحمر للسيرك»، مشاهد من أوبريت «الليلة الكبيرة» على أنغام موسيقى عزت أبو عوصف. فكانت فرحتهم ظاهرة على أدائهم، وعيونهم تحكي عن حاجة ملحّة لما يدفنونه في نفوسهم من مواهب وحب للمسرح والموسيقى والفنون. نجلاء مديرة المدرسة التي تتابع تدريب الأطفال، تقول إن «تدريبهم كان متعة حقيقية. فبعد انتهاء الدراسة الأكاديمية، كنا نخصص لهم حصصاً ليليّة لتدريبهم في شكل محترف حتى يتمكنوا في ما بعد من العمل مع فرق خاصة، بمبادرة من مؤسستي «المورد الثقافي» و«أغاخان للثقافة»». وتفيد بأن هذه المبادرة تهدف إلى إبعاد أطفال الأحياء الشعبية عن أخطار العمل في مهن قاتلة، وتعليمهم الموسيقى والسيرك». وبالنسبة إلى عرض «الليلة الكبيرة» الذي استغرق شهراً من التدريب بإشراف المخرج محمد الشافعي، تقول فاطمة ابنة الثماني سنوات: «أقوم بدور الأسد في مشهد «شجيع السيما». بدأت التعلّم يومياً في مدرسة السيرك من سنتين. وعندما يتفرّج عليّ الناس ويُصفّقون لي، أشعر بأنني أسعد مخلوقة في العالم وأنسى تعبي ومجهودي». وشارك في المهرجان التونسي رضوان الشلباوي الذي قدّم عرضاً بلهوانياً استعراضياً ممتعاً، ولكنه بدا خطراً على حياته. فهو يتحرّك بحرية تامة في الهواء، ما يجعل الناظر إليه مترقباً بدقة حركاته خوفاً أن يقع ويُصيبه مكروه، خصوصاً أن الشبلاوي تعرض لإصابات عدة أثناء تقديم عرضه هذا في مهرجانات عدة في إيطاليا وتركيا والجزائر. وكانت أخطر الإصابات تلك التي تعرّض لها في باريس في العام 2007، حين راح في غيبوبة تامة لأربعة أيام. وكان من المفترض أن يبدأ المهرجان بعرض لفرقة «رييل أكت» الهولندية التي بدأت عملها في العام 2003 بعرض احتجاجي على زيارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لبريطانيا، لتطوف أرجاء ساحة عابدين. ولكنه أُجل إلى ما بعد عرض «الليلة الكبيرة» وفرقة «الكوشة للعرائس»، بسبب تأخّر الموافقة الأمنية. لكن، أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي. فالعرض الذي قدّمته «رييل آكت» الذي يعتمد على محاكاة شخصيات حقيقية بشكل ساخر، وبمصاحبة عازفين على آلات نحاسية، أفرحت الأطفال وذويهم الذين احتشدوا حول أعضاء الفرقة وتفاعلوا معها في شكل حماسي. وقدمت فرقة «أم سيركس» البلجيكية للسيرك التقليدي، عرضاً أدائياً موسيقياً مبهراً على خشبة المهرجان، عُزفت خلاله نوتات حيّة على البيانو لاحقت حركات اللاعبين على الدراجة والألعاب البهلوانية.