الفضاءات مدرجات وسلالم مسرح، المقاهي الشعبية مراكز ثقافية، الشوارع التاريخية مساحات إبداعية تمتلئ بالموسيقى والرقص والمشهدية المسرحية... هكذا استقبلت الاسكندرية فرقاً فنية وعالمية شاركت في فعاليات «مهرجان الشوارع الخلفية» الذي اختتم قبل أيام ونظمته الهيئة الدولية للإبداع والتدريب بالإسكندرية، بدعم من مؤسسة بروهلفتسيا السويسرية ومكتبة الإسكندرية. انطلقت فعاليات المهرجان في شكل كرنفالي، مع فرق فنية شابة من منطقة المتوسط، قدمت برامج متنوعة فنية ومسرحية وموسيقية وغنائية، في مناطق غير تقليدية فنياً، أي خارج القاعة والغاليري. اشتمل المهرجان على عروض شارع وورش عمل وحوارات إقليمية وأوروبية، إذ استضاف 91 عرضاً قدمها فنانون من صربيا وكرواتيا وإسبانيا والسويد وبلجيكا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا ومصر ولبنان وفلسطين وسورية وألمانيا. وتنوعت العروض بين رقص ومسرح الشارع والسيرك والعرائس وعروض الوسائط المتعددة والعروض الغنائية وعروض الحكي والمهرجين وست ورش عمل، قدّمت في تياترو الإسكندرية وأتيلييه الإسكندرية والمركز الثقافي الفرنسي وسينما ريو الصيفي ومكتبة الإسكندرية وقهوة كوم الدكة وعدد من الشوارع الشهيرة في الإسكندرية. وقدّمت فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية «براعم»، عرضاً لافتاً بعنوان «رقصة شمس»، إضافة إلى عرض موسيقي للفرقة المسرحية من الجامعة اللبنانية الأميركية، فجمع أصواتاً شابة ضمن «أداء» الكومبيوتر المحمول والآلات الموسيقية. كما اجتذب عرض لفرقة «قوطة حمراء» (وقوطة تعني بندورة بلهجة أهل القاهرة) بعنوان «المتحولون» (مهرجو الشارع) الجمهور الذي قصده، إضافة إلى المارة الذين شاركوا الفريق أداءهم. وعن مسرح الشارع يقول هاني طاهر عضو الفريق: «المسرح لا يحتاج إلى شرح، والعاملون في مسرح الشارع يجب ألا يلهثوا لتوسيع القاعدة الجماهيرية، لأنه يجب ترك الناس تختار مشاهدته كفن مختلف». ومن الفرق المشاركة «فاكس أحمادا أكا سلو موشن» السويدية، التي قدمت رقصاً ارتجالياً في الشارع تحت عنوان «أسرع رجل في العالم»، تفاعل معه الجمهور بالرقص والتصفيق، وخرجت جموع المشاركين عن المساحة المخصصة للعرض، وتحول الشارع بكامله ساحة راقصة. وقدّمت المخرجة السورية ديانا قاسم مسرحية «إيقاعات»، التي دمجت في نصّها مقاطع من مسرحيات الأوائل (النقاش والقباني) مع المسرح المعاصر، وتتضمن خلطة من الشعر والغناء والموسيقى العربية والغربية الجامعة بين «الراب» والغناء الشرقي. وعن رسالة العرض تقول لمى ناجي، بطلة المسرحية: «رسالتنا إنسانية تحكي عن الأوضاع الحالية في سورية، وشعور الطالب بعد تخرجه، وكيف يقاوم التغييب الثقافي والعقلي طوال فترة دراسته، وتدعونا لئلا نتوقف عن العمل، فنحن كمسرحيين يجب ألا نيأس رغماً عن أنف من يريدون تهميش الثقافة والفن وجعل السياسة في صدارة الحياة». وترى لمى أن الفن يمكنه حل أي أزمة في العالم، «فهو كفيل بإنهاء كل الحروب». وتدعو الشعب السوري للإصرار على حلمه بالحرية، والتي لا بد أن يحققها، وضربت مثالاً بالمسرحيين محمد وأحمد ملص اللذين منعا من تقديم المسرح في الشارع، فحولا غرفتهما في المنزل إلى مسرح، وعندما اعتقلا قدّما المسرح في السجن. ومن العروض اللافتة أيضاً «الحزب الكوميدي»، وهو «ستاند آب كوميدي». يقول هاشم (رئيس الحزب): «نقدم عروضنا في شكل ارتجالي مبني على اقتراحات من الجمهور، فالجمهور هو البطل الأساسي في العرض، ونحن أدوات لإسعاده». ويقول عمر رمزي، الملقب ب «السوداني الأبيض»: «هي اسكتشات يقدمها كل منا بطريقته، فمنا السعودي والمصري والإيطالي، وكلنا يسخر من الواقع المحيط بنا، وبذلك نحاول إرسال رسائل تكشف الفساد وتلفت النظر إلى الأخطاء الدارجة في مجتمعاتنا العربية، والسخرية تجعل الآخر يتقبل النقد». يذكر أن فكرة المهرجان انطلقت إثر تعاون مكثف بين «آي آكت» ومسرح «شناوول» في مانهايم، في مسعى إلى خلق بيئة تفاعلية مع رجل الشارع، تفتح آفاقاً جديدة أمام أفكار ورؤى، وحتى متعة تنتج عن هذا التفاعل بين الفن والحياة اليومية.