حين نسلط الضوء على الأشخاص قبل الأفكار فنحن نمهد لأفراد يُفَعّلَون العاطفة قبل العقل، وهنا تكون علاقاتنا بما يُطْرَح علاقة مضطربة متقلبة، وتسير عكس عقارب الساعة التي نجاهد في كل حضور لنا أو رغبة للتقارب المحلي أو العالمي لأن نسير برفقتها أو بجوارها على الأقل من دون أن نمس الضوابط الشرعية أو الوطنية. وحين نَتْرُكُ ذات الضوء ذاهباً للأفكار قبل الأشخاص فنحن نؤسس لمجتمع عاقل هادئ يملك الحجج، ووسائل الإقناع والاقتناع، ويضع يديه على الأخطاء والتجاوزات بالضبط، وإن كان هدف العقلاء شرعياً وطنياً لكنه قد يكون هدفاً متلوناً لغيرهم في يوم مقبل. الجدل الدائم المستمر على الأسماء وكونها شرخت الجدار الديني أو المحلي في زمن ماضٍ، أو عبر نتاج معين، يظل بالمسمى ذاته «جَدَلاً»، ما لم نذهب بمعيته إلى طاولة حوار ونقاش راقٍ عام نستضيف فيه المختلفين والمتقاطعين، والمعجبين والمُنكِرين، وفي ذلك اختصار لجملة من ردود الفعل المتشنجة والمستاءة، ومضي على الطريق الصحيح الذي تلتقي فيه العقول، ولو عن بعد، لا أن تتشابك فيه الألسن عن قرب وبعد. أحدث رفض نائب أمير منطقة القصيم الحضور لافتتاح ملتقى النادي الأدبي، رد فعل اجتماعي متباين، لأن الرفض عائد لكون النادي عقد العزم على تقديم ورقتي عمل عن شخصيتين سعوديتين ثقافيتين أحدثتا الجدل وتنازع قومي حولهما في الحياة وبعد الممات، والطريف في مجمل المشهد أن الشخصيتين من أبناء المكان الصغير قبل أن يكونا من أبناء الوطن الكبير. الرفض شأن شخصي أحترمه في الأمير الخلوق الشاب وهو مستند على جملة تجاوزات للقامتين الثقافيتين في ظل أننا المجتمع الوحيد الذي يجيد انتقاء التجاوزات وإشهارها وربما حفظها عن ظهر قلب، ومسح أي موجب أقنع العقول القارئة للقامتين والمعجبة بهما حد الدفاع عنهما والحماسة لطرح ما يرونه لائقاً بالشخصيتين، وإظهار شيء من الأعمال اللائقة التي تعكس أن العقليتين السعوديتين لم تكونا عاديتين وإلا كيف تمكنت من الحصول على شعبية جارفة لم تتوقف، وإن كان هذا جالباً للغضب والإنكار مع الاعتراف بما شاب طرحهما من شوائب متفرقة، لكن المثمر المقبل والمفيد الدائم أن نذهب بشجاعة وجرأة إلى مساحة الالتقاء تلك التي من خلالها نسحب أفراد الشعبية الجارفة لمنطقتنا الآمنة، أو نضع الخطوط الحمر، كأضعف الإيمان، على الطرح الشاذ الذي قدما به، وذلك عن قراءة دقيقة وجادة من دون أن نلجأ، كما هي الحال في مجمل آرائنا وتشنجاتنا، على المقولة الأشهر «قال فلان». جُمَلُ الاعتراض عدة، واختلاف الآراء لا يفسد الود في القضية، قد تكون فئة كبرى تؤمن وتقتنع وتسلم بأنهما ليسا شخصيتين بمثابة القدوة، وأن على طرحهما علامات استفهام كبرى، لكنه جزء من الطرح وليس الكل، والتباين المرحلي لكليهما والانتقال من مرحلة النور إلى الظلام أو العكس، أو المرور على مراحل متعددة منهما، هو من يترك الجيل متحمساً لقراءة تجاربهما، وقد يقتنعان بها حد الانغماس الكلي، وبهذا نكون نحن من أيقظ الأعمال الكتابية وهي بعيدة من التناول، وصنع الشهرة الجديدة في وقت كان فيه الجيل مشغولاً بمعية قضايا واهتمامات أخرى، ولي أن أعرج عاجلاً على اتصال هاتفي من شاب بالجوار لا يقرأ ربما الصحيفة اليومية لكنه مدمن على أخبار الأجهزة اليدوية المتنقلة، طالباً مني توفير أي عمل كتابي للقامتين الثقافيتين اللتين متى ما حلا حل الجدل. نريد في المقبل من الأيام، وبعد الشهرة الإضافية لهما، أن نقف أمام مسببات رفض المجتمع لهما؟ ونتجادل بعقل عن النصوص التي نعترض عليهما بالمجمل، ولماذا توقف جزء من مجتمعي أمام شيء من طرحيهما بإعجاب، وكيف نفرمل التفتيش الاجتماعي المستمر ما يدونانه من أفكار وأسطر، عند الأسئلة الماضية يختبئ الصداع، إنما سيضيء النفق المظلم الذي نسير فيه، وسنعود لنقطة المفصل وهي «أن الزمن لم يعد زمن رفض بقدر ما هو زمن حوار وتقارب وإيضاح، ولنا من الزمن القديم حقيقة أن كل ممنوع مرغوب، ولنا من الزمن الجديد تجمدنا أمام الانفتاح المذهل لوسائل الاتصال، والحصول العاجل على المعلومة، وهنا قد تتضاعف الشعبية إن تم الإصرار على عدم تفتيت الأفكار». [email protected] @alialqassmi