أكّد الناقد والفنان التشكيلي عبدالله إدريس أن غياب الدور الذي تلعبه المؤسسة الرسمية بالنسبة إلى الآداب والفنون، أعاق تصدير الفن التشكيلي والتجربة السعودية إلى البلدان الأخرى، وحرمها من تقديمها بما تستحق. وقال إدريس في حوار ل«الحياة» إن ما ينظم من أسابيع تطلق عليها وزارة الثقافة «ثقافية» ليس سوى أسابيع سياحية، وأشار إلى أن المنابر الثقافية غير مؤهلة علمياً أو فكرياً لتقود المشهد، وكشف أن وكيلاً في وزارة الثقافة تجاهل طلب وزير الثقافة القطري بأن يشارك بلوحاته في الدوحة، وأرجع هذا التجاهل إلى مزاجية ذلك المسؤول. فإلى نص الحوار: يتردد أن لدينا حركة تشكيلية كبيرة في المملكة، ما رأيك؟ - الحركة توجد بشكل كبير في جدة التي أصبحت عاصمة الفن التشكيلي في المملكة من دون مبالغة، بسبب وجود عدد من الفنانين ونضوج الكثير من التجارب الفنية، ولوجود المعارض التي أتاحت فرصة للفنانين في إبراز أعمالهم، ولتنوع الأطياف الموجودة حالياً في جدة، كما أنها مدينة منفتحة على كل التيارات، كما أنني أتنبأ بمستقبل جيد، ولديّ تفاؤل كبير، فمنذ عشر سنوات، خطونا خطوة جيدة في التنوع والتغيير والتجديد. لكن في ظل التيه وعدم اتضاح الرؤية، كيف يمكن للفن أو الثقافة أن تتطور؟ - أعتقد أن الفن يتجدد طالما طوّرَ أدواته، والفنان التشكيلي حدد هدفه، ولكن بصراحة نعيش بشكل عام في تيه، حتى الثقافة العربية أضحت تبحث عن هويتها في ظل المتغيرات التي حصلت في العالم من ناحية ثورة الاتصالات والإعلام، فوقفنا أمام معطيات جديدة، كيف نستغلها؟ وكيف نصيغها؟ وما زالت الثقافة العربية، ومن ضمنها الفن التشكيلي، تبحث عن هوية، فنحن الشعب العربي نبحث عن هويتنا على رغم وضوحها، لأننا دائماً نريد أن نؤكد موروثنا، ولكن لماذا علاقتنا بالآخر متوترة وغير واضحة؟ فُقدان الهُوية وظهور زمن الحداثة في الفن التشكيلي، هل أربكا تطبيقاتنا للحداثة وما بعدها، هل نحن ما زلنا لم نحقق الحداثة أو ما بعدها؟! - نحن لم نطبق الحداثة بشكلها الصحيح، فكيف لنا أن نقفز إلى ما بعد الحداثة، وهذه مشكلة لأن الحداثة جاءت إلينا جاهزة، فالحداثة جاءت لتنقض الماضي، وما بعد الحداثة جاءت لإعادة صياغة الماضي والموروث بسبب الشعور بالأزمة التي عاشوها، فحداثة الغرب مؤسسة على قاعدة متينة وتنامت، ولها مراحل متعددة، ونحن استعرناها جاهزة وقمنا بتطبيقها على أنفسنا بلا أسس، ولم نعشها، ولم نتعايش من خلالها، وإنما سببت لنا تناقضات. وما كان أثرها على الفن التشكيلي في المملكة؟ - أنا عشت ثورة الحداثة في المملكة من خلال النادي الأدبي الثقافي في جدة، فأصبحنا نستوردها من الخارج، ونعيد صياغتها بشكل غير صحيح بالاستسهال والاستعجال، وهذا الذي يحصل الآن في الفن التشكيلي سببه أنه ليس لدينا تأسيس علمي وفني، فهناك أشخاص يمارسون القفز، وهناك من لم تكمل لوحته أصلاً، ومع ذلك يقول إنه أنجز عملاً مفاهيمياً. وظهر مفهوم أن أي عمل خارج نطاق اللوحة المسندة يصبح مفاهيمياً، وينتمي إلى ما بعد الحداثة. هل هذا التخبط الذي تحدثت عنه تعزوه للفنان أم للمؤسسات كجمعية الثقافة والفنون ودورها في تنظيم الحركة الفنية في المملكة؟ - لا توجد جهة مسؤولة تقود الفن، فالأسس لا تكون إلا بالفنان نفسه، وهو الذي يقود تجربته، وجمعية الثقافة والفنون هي جهة رسمية تقوم بتسهيل المهمات، ولكن للأسف، فالمنابر الثقافية ومن ضمنها الجمعية والقائمين عليها غير مؤهلين علمياً أو فنياً ولا فكرياً أيضاً، ولكنهم يقومون بتنفيذ نشاطات -وأنا أقول هذا الكلام على مسؤوليتي- حتى وزارة الثقافة والإعلام للأسف، تنظم أسابيع ثقافية، وهي ليست ثقافية، ولكنها أسابيع سياحية، بمعنى أضع اللوحة الفنية بجوار الرقصات الشعبية من دون تقديم للفنان ذاته، ليحتك بثقافة الآخر، ويقدم أعماله بنفسه، كي يتفاعلوا معه، فما تقوم به الوزارة دعاية لنفسها، فيكرسوا أسماء نسائية مبتدئة، لكي يُقال أن المرأة لدينا ظاهرة وفاعلة وندعمها. فهل هذه أحد أشكال الفوضى الإدارية في الحركة التشكيلية في ظل وجود بعض المسؤولين في الحركة؟ - المسؤول لا يقصد هذا في ما أعتقد، ولكنه لا يدرك بعدم كفاءته تنظيم الحركة التشكيلية وتقديمها بالشكل المناسب التي تليق بمكانة وطننا، ولكن نشكر له جهده، ولدى المسؤول في وزارة الثقافة والإعلام مفهوم، أن الفنان الكبير لا يتماشى مع سياسته فلا يقدمه، كما أن الوزارة تطرح فكرة الموروث، فإن وافقتهم في توجههم نحو التراث ستُشرع الأبواب أمامك، وهنا تتجلى مشكلة المسؤول في عدم الوعي والفهم بالثقافة التشكيلية، فعلى سبيل المثال تقوم الوزارة بمطالبة الفنان أن يشارك بلوحات بمساحة متر مربع وبأقصى حد متر ونصف المتر، والسبب هو أن صناديق الوزارة لا تتسع لأكثر من هذه المساحة، ولا تخلو إجابتي من المبالغة، كما أن هناك أعمالاً مفاهيمية تقدم، وترفض بحجة أن نشارك بأعمال متواضعة ليفهمها الجمهور. وهل الوزارة هي التي تقوم بهذا الرفض أم جمعية التشكيليين؟ - على العكس، فالجمعية دورها أن تقوم بتشريع قوانين وتنظيم للمسألة والحركة التشكيلية عموماً، وأتمنى أن تقوم على أرشفة أعمال الفنانين وتوثق الأعمال، ولكن للأسف، جمعيتنا لا تمتلك أدنى فكرة عن هذه الموضوع، كما قمنا مرة بترشيح عدد من الشباب إلى الجمعية، ولكنهم يصدمون دائماً ببيروقراطية وزارة الثقافة. هل لديك مقترحات وحلول لإزالة أي إشكال مع وزارة الثقافة أو الجمعيات والمؤسسات الرسمية؟ - لا أعتقد أنها تُفيد في ظل وجود البيروقراطية التي تفشت في الوزارة، لأنني رأيت هذه البيروقراطية من بعض المسؤولين الكبار على مستوى وكيل وزارة، فهناك طلب لي من وزير الثقافة القطري للمشاركة بلوحاتي، وعندما أتيت إلى هذا الوكيل في اليوم الآتي لم يبالِ، لأنه يرى شيئاً آخر بحسب مزاجه، ولقد كتبت مسبقاً في الصحف، وذكرته بالاسم، فنحن لا نحتاج إلى شيء، ونستطيع أن نُقيم معارضنا داخل المملكة وخارجها، ولكنه همٌّ ثقافيٌّ نحمله لإنصاف الحركة التشكيلية في المملكة، وكما أننا نحزن على الوزارة لأنها هيكل بلا روح. وماذا عن الانتخابات التي حصلت في جمعية الثقافة والفنون، وما رأيك بها؟ - ما حصل مثلاً في بعض الأندية الأدبية الثقافية من تكتلات وظهور طبقة ليس لديها أي منتج أدبي، حدث ذلك أيضاً في بعض الجمعيات الثقافية، كما حدث انتخاب شخص ما في فرع الجمعية بجدة بطريقة مشكوك في أمرها، كأن يأتي بمنتخبين له، ويدفع عنهم قيمة اشتراكاتهم وشراء أصواتهم، ولكن الفنان الحقيقي لا يحتاج إلى مضلة رسمية ليخرج إبداعه. ما رأيك في بعض الفنانين الذين يلجأون إلى الرسم بالطلاء (البوية) نظراً لافتقارهم إلى قيمة الألوان الزيتية؟ - لأن المظلة تمول جيب المسؤول، ولا تمول الفنان، فأكثر الفنانين يعملون بشكل خاص، ويعتمدون على مجهوداتهم الخاصة، لتكتمل فنونهم. هل ترى أن التجربة التشكيلية في طريقها إلى الاكتمال؟ - التجربة لا تكتمل حقيقة، وهناك مقولة قديمة، تقول: «إن الفنان لا يرسم إلا لوحة واحدة»، فكل مرحلة ينتهي منها، سيبدأ بمرحلة أخرى جديدة، ولكن هناك شيء أريد أن أقوله: لماذا دائماً نقول إن الجهة المسؤولة هي التي تقرر العمل الإبداعي؟ ولكنها لا تساعد في دفع العجلة، ولكن كما قلت لك سابقاً، إن ما تقوم به هي أسابيع سياحية، وليست ثقافية. ماذا عن التجربة النسائية لدينا في المملكة؟ - لم تكتمل حتى الآن، ولم تنضج وللأسف، أنها دوماً توضع في الواجهة كشكل كما ذكرت لك، لكي ندعي فاعلية المرأة، وأننا نعتني بها ونناصرها، فمسؤول في وزارة الثقافة عندما أتت إلينا دعوة للمشاركة في الدوحة، قال سنرسل عشر فنانات فقط للمشاركة. وما أسباب من وجهة نظرك في عدم نضج التجربة النسائية؟ - أنا في الحقيقة اعترض على العادات والتقاليد التي تحد من اكتمال ونضج التجربة النسائية، والمشكلة أن لدينا خلطاً بين ما هو إبداعي وما هو اجتماعي، وللأسف، هناك تكريس لما هو اجتماعي واندماجه بالإبداعي على رغم أن هناك فصلاً كبيراً بينهما، وبما أننا ما زلنا نعمل جاهدين على قضية الموروث والاهتمام ببعض النظريات كالمعاصرة والتراث، وللأسف فهي عناوين، فلا الوزارة أو رعاية الشباب تقوم على تحقيقها، وهذا يعود إلى غياب النقد الذي أسهم في تعطيل الحركة، وتكريس الظواهر السيئة التي أعاقت الحركة الثقافية عموماً والحركة التشكيلية خصوصاً، ولكن هناك اجتهادات جيدة من بعض الفنانات السعوديات. يرى البعض أن الفنانين تجمّعوا في مدرسة تشكيلية واحدة، مما أثار بعض الاتهامات حول سرقات أفكار بعض، وقد تكون هي عبارة عن تخاطر؟ - أدوات الفن التشكيلي تغيرت، ولم تعد هناك تيارات واحدة أو اتجاه واحد وخصوصاً في جدة، في ظل وجود التنافس والاحتكاك، ولن نسميها مدارس، فالمدارس انتهت، ولكن نستطيع القول بأن هناك خصوصية لدى كل فنان، أتذكر أنني رأيت في «بيت التشكيليين» بعض الفنانين ينتظرون المسؤول أن يقرر ماذا يرسمون من أجل المشاركة في المعارض، فبعض الفنانين لا يعرف معنى التراث، وكيف يقوم بتوظيفه بشكل جديد وملفت، ولكن الوجاهة الجميلة هي التي تأهلهم إلى تلك المعارض على رغم افتقارهم للثقافة والوعي والتأهيل الفني، فكل ما نريده حقاً هو أن يهيئ لنا التواصل والأرضية المشتركة مع الفنانين في الدول الأخرى لنحقق التبادل الثقافي، لأن مفهوم التبادل الثقافي لديهم هو توقيع اتفاقات.