الاثنين 24/9/2012: الأمل يوم آخر بلا أمل. مع ذلك يضجون وتصل أصواتهم إلى قوس السماء. الفرح هنا أصوات وقفزات أجسام وليس ابتسامة أبداً. صخب في الشوارع بدل تحطيم الشوارع. إنها الكربة تتحرر من حبسها في الجسد وتنفجر في تظاهرات، وثمة شخص ما في مكان ما يتحكم بالجموع، يستثمرها. يوم آخر بلا أمل. وحده أفق البحر في حمرة الغروب، أفق الجبل في لمعة الفجر الأولى. وحدها الطبيعة تشفي في حوار الجسد مع نور وماء وتراب. الطبيعة هي الأمل. الثلثاء 25/9/2012: خصوصية ثورات المشرق العربي بلا قادة، أو بقادة كثر يختلفون أفكاراً وأمزجة وارتباطات، لذلك تتراوح بين النموذجين اللبناني والعراقي. الأول يضع السلطة على الطاولة كقطعة من الجبن يتقاسمها زعماء ميليشيات السلاح والمال، ليبقى لبنان مهدداً لدى أي خلل في التوازن الداخلي أو الإقليمي أو حتى الدولي. والنموذج الثاني هو تقسيم غير معلن وهدر لطاقات العراق بالفساد، وتهديد لوحدته وصل إلى تقسيم غير معلن. ها هي سورية بين النموذجين اللبناني والعراقي، لا تأسف على نظامها، لكنها إذ تنظر إلى صورها على الشاشات وتسمع تصريحات قادتها المفترضين تشعر بخوف شرعي. ولا جواب على سؤال أهلها: سورية إلى أين؟ الاربعاء 26/9/2012: زنوبيا لم تشهد زنوبيا ملكة تدمر نهب متحف مدينتها التاريخية، فالمرأة التي تحدت روما وصمدت وانتهت أسيرة في عاصمة الامبراطورية، لم تتوقع من أحفادها المفترضين أن يبيعوا علامات مدينتهم التاريخية في أسواق العالم، يشجعهم مهربون أكثر عدداً من الجواسيس في الوطن السوري اليوم. قال شهود إن التهريب يتم برعاية الجيش وقال غيرهم برعاية الثوار، وربما صدقوا جميعاً لأن معظم سورية تسوده الفوضى بحسب محايدين يتجرعون الألم ولا يحظون بنعمة الحماسة. قال الأثري الإسباني رودريغو مارتن: «من الصعب معرفة ما يحدث فعلاً، وأعتقد أننا لن نكتشف مدى فداحة الخسائر إلاّ بعد الحرب». وقد يبدو لزوم ما لا يلزم الاهتمام بالآثار في يوميات القتل الأعمى، لكن سورية هي ماضيها وحاضرها، فإذا نهب الماضي يخلو المجال لمن يرغب بتأليف سورية جديدة على صورته ومثاله ويرميها في مهملات التاريخ. ليست تدمر وحدها فإن أنظار العارفين تتوجه إلى مدينة إيبلا الأثرية في محافظة إدلب، وتحديداً في تل مردوخ قرب بلدة سراقب. لا أحد يدري حال المحاربين وغير المحاربين في تلك المنطقة، حيث إيبلا التي تعود ألواحها إلى الألف الثالث قبل الميلاد قد تتعرض لتلف أو نهب، تلك الألواح الحساسة الطينية المسمارية تم اكتشافها مطلع سبعينات القرن الماضي، وأثارت مشكلات حين ادعى صهاينة أنها تتضمن إشارات إلى ممالك يهودية، وهو ما نفاه مكتشف إيبلا الأثري الإيطالي باولو ماتييه. ويعرف متابعو التلفزيون مسلسل هيثم حقي «ردم الأساطير» ذا الصيغة البوليسية، فقد استند إلى تدخلات مافيات مجهولة في شأن آثار إيبلا، ويفتتح المسلسل بصوت محمود درويش منشداً هذا المقطع من «يوميات جرح فلسطيني»: «عالم الآثار مشغول بتحليل الحجارة إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير لكي يثبت أني عابر في الدرب لا عينين لي، لا حرف، في سفر الحضارة وأنا أزرع أشجاري على مهلي وعن حبي أغني».... وسورية في قلب الخطر، بشراً وشجراً وحجراً، وحضارة. الخميس 27/9/2012: «زمن الندوة» «زمن الندوة» اللبنانية، معرض في باحة مبنى اللعازارية في وسط بيروت. المبنى نفسه الذي أنجز قبل حوالى 70 عاماً تبدو هندسته الطليعية منافسة للأبنية الحديثة. في الباحة وما حولها ظلال مؤسسات تجارية وثقافية أبرزها مطبعة دار الكتب ومقر مجلة «الأديب» ومكاتب خاصة لأعلام مثل رئيف خوري وميشال سليمان وغيرهما. هنا كان الكاتب ينجز مقالاته ومؤلفاته كأنه موظف عند نفسه، وفي المكتب ساع يداوم لينظف ويعدّ القهوة ويرسل البريد أو يتلقاه. تقليد نفتقده اليوم فلا نعلم أين يكتب أدباؤنا وكيف، خصوصاً مع تقدم التكنولوجيا ومع العمل في أمكنة افتراضية. «الندوة اللبنانية» مؤسسة ثقافية أنشأها ميشال أسمر ونشطت بين عامي 1946 و1975 في قاعة الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة ثم في قاعة محاضرات وزارة التربية في بناية الشرتوني، وكلاهما في وسط بيروت التجاري. هذا الكاتب والمثقف ساهم عبر «الندوة» في بلورة الشخصية الثقافية اللبنانية في التنوع والانفتاح على الشرق والغرب، وقام تمويل الندوة على تبرعات يتعهدها مجلس أمناء يحفظ استقلاليتها، ومع ذلك اعتبرت، في وجه من الوجوه، النادي الرسمي للثقافة اللبنانية بالمعنى الواسع للكلمة، وكانت إطلالة المحاضر على منبرها تكريساً لبنانياً له، هكذا قيل عن يوسف الخال وأدونيس وليلى بعلبكي حين حاضروا وقدمهم ميشال أسمر بموجزاته الغنية بالدلالات. جدار عال في الباحة يحمل صور المحاضرين، التي تظهر أيضاً في كتاب خاص بالمعرض، مع منشورات قديمة للندوة التي تضم أعمالاً لخليل رامز سركيس ورينه حبشي ومجموعة محاضرات. وهناك ألواح في مطال اليد تحمل صور حضور الندوة بكامل أناقتهم واصغائهم في ما يشبه طقس النخبة حيث تتواصل الأفكار بلا صياح ولا حماسة. محاضرون متنوعون، لبنانيون وعرب وأجانب، وحضور متنوعون أيضاً، ففي محاضرة ادوار حنين «وجه اللبناني المجهول» في 31 أيار (مايو) 1948، نرى في الصف الأول للحضور بيار الجميل مؤسس «الكتائب اللبنانية» وأنطون سعادة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولا مجال لتعداد المحاضرين. فثمة أجانب مثل أرنولد توينبي ولوي ماسينيون وجاك بيرك وناظم حكمت، وعرب مثل أنطون مقدسي ونديم إسماعيل وصادق جلال العظم وغسان كنفاني، ولبنانيون كثر شكلوا آنذاك النخبة السياسية والفكرية، و «نكتشف» من هؤلاء فؤاد باشا الخطيب المولود في شحيم عام 1883 والذي انضم إلى «المنتدى العربي» في إسطنبول، ثم قصد الحجاز ليصبح مستشاراً للشريف حسين، ثم عينه الملك عبدالعزيز آل سعود مستشاراً فسفيراً في أفغانستان. له مؤلفات عدة أبرزها ديوانه الذي نشرته كاملاً «المجلة العربية» في السعودية عام 2010، بعدما صدر جزؤه الأول عام 1910 عن مطبعة المؤيد في مصر. في افتتاح معرض «زمن الندوة» وجوه مما قبل الحرب الأهلية (1975)، فهل «يسمح» زعماء جمهورية الطائف لجمهورهم «المتحمس» بزيارة المعرض ليرى صورة الزهو اللبناني بالثقافة والانفتاح لا بالسلاح والانكفاء؟ الجمعة 28/9/2012: أعياد وحروب كتاب روجيه كايوا «الإنسان والمقدس» (صدرت ترجمته العربية عن المنظمة العربية للترجمة - بيروت) استغرق تأليفه وإعادة تأليفه بين عامي 1939 و 1963، مقدماً المقدس في صوره المتناقضة بين التخويف وجذب الاحترام والثقة. بين الأعياد (وألعابها) كعلامة حياة والحرب كعلامة موت يتراوح انجذاب الإنسان وتفضيلاته. ومن الكتاب هذا المقطع: «تمارس الحرب دوراً شبيهاً بدور الولائم القروية قديماً، كما تذكّر الفرد بأنه ليس سيد قدره، وأن القوى العليا التي يخضع لها، قادرة متى شاءت على سحقه، باقتلاعها إياه من سكينته، فجأة. يُهيّأ إلينا أن الحرب حقاً هي الغاية التي تستعد لها الأمم بحرارة وتتجه نحوها جهود البشر ومصائرهم. تبدو الحرب كأنها الاختبار الأسمى الذي يؤهلهم لزمن جديد أو يُقصيهم عنه، لأن الحرب متطلبة، تبغي كل شيء معاً: الثروات والموارد وحياة الأشخاص، وتلتهمها كلها بنهم لا حدّ له. والحرب تُشبع الغرائز التي تكبتها الحضارة، بتحويلها إياها إلى ثأر يكمن في إبادة الذات وتدمير كل ما حولها، فكأن الاستسلام إلى خسارة الذات والتمكّن من تدمير ما له شكل واسم مجلبة لخلاص مزدوج ووثير من العيش وسط هذا الكمّ من الممنوعات الصغيرة واللياقات الحذرة. والحرب خضّة هائلة تقلب أوضاع المجتمعات، بل هي نقطة الذروة من وجودها. إنها زمن التضحية. وأيضاً، زمن وقف العمل بكل قاعدة، وزمن المجازفة القاتلة، ولكن، المقدّسة، وزمن إنكار الذات والإباحة، لذا كانت تملك كل المقومات التي تخوّلها الحلول مكان العيد في العالم الحديث والتسبب بمثل ما يتسبب به من حميّة وانبهار. إن الحرب لا إنسانية، وذلك كافٍ لكي نعتبرها إلهيّة. ولا نقصّر في ذلك، حين ننتظر النشوة والفتوّة والخلود من قدرتها التقديسية».