إذا كنت تفتش عن الحقيقة فلا تذهب إلى لبنان، هذا البلد الذي ما إن تحط طائرتك في قلبه، ويطل رأس بحره الفضي، متطلعاً بفضول نحوك، حتى تشرق الشمس في قلبك. هذا البلد الذي عندما تجلس على رأس سلسلة جباله الغربية، حتى تسأل نفسك سؤالاً ساذجاً، وكأنك لا تفهم لماذا يتحارب زعماؤه، ويعيدون إنتاج أنفسهم دائماً من دون أن يؤثر فيهم كل هذا الجمال؟ من أجل معرفة الجواب مشى مليون لبناني في شوارع بيروت عام 2005 يرفعون شعار «بدنا الحقيقة» ولم يجدوها بعد، على رغم محكمة لاهاي ومساعدات الدول الصديقة. في الصيف لو صادف ودخلت شوارع قلب بيروت، فستشاهد الساعة التي تعد الأيام منذ مقتل الحريري انطفأت، ربما ماتت هي أيضاً، ربما رحلت إلى مكان آخر، تاركة لبنان وقد قالت ما قلته من يرد الحقيقة، فلا يفتش عنها في لبنان. بيروت تعيش حيرة تشكيل الحكومة، وكأنها على الدوام تنتظر معجزة من السماء لهذا - على ما يبدو - تعلم أهل لبنان أن يخبئوا الحقيقة. سائق التاكسي وبائع البقالة وصاحب مكتب العقار وموظف الاستقبال في الفندق، كلهم اتفقوا على ألا يقولوا الحقيقة، يقابلون ما تطلبه بالموافقة «بتؤمر يابيك ومثل ما بدك ستنا». حتى الصيدلانية لا تحب الحقيقة، فهي تقول لي عندما طلبت دواء لورين للحساسية الذي لا يسبب النعاس «شو بدك فيه هيدا بينعس، لأنها تمتلك الدواء الآخر الذي لا يناسبك حين سألت أبو جان سائق التاكسي لمَ كل هذا الزحام، هل عاد المغتربون هذا الصيف؟ قال لشو بدن يرجعوا للتعتير! ما بيجي للبنان غير هالخليجيين الهربنين من الحر، يا عمي قديش صار فيه حر هالأيام، مدري نحنا كنا صغاراً وما بنعرف كيف كان الحر، مدري صرنا كباراً ومبنتحمل!». في بيروت ستسمع جملتين شهيرتين هما راحت الكهرباء، وإيجت الكهرباء. قالت لي الناشرة اللبنانية عندما راحت الكهرباء وهي تجلس إلى كومبيوترها «كيف بدك تعرفي أنك في بيروت اذا ما بتروح الكهرباء». معك حق يا مدام انها الحقيقة الوحيدة هنا. وسط هذا التعتير اللبناني، جاء الخليجيون الفارون من الرطوبة والغبار والحر، جاءوا بأزياء ثقيلة وفارهة لا تناسب صيف لبنان ولا تعتيره، وبتوقيت سافر السطوة، حيث لا يظهر الخليجيون إلا في الليل، ولا يبدأون نهارهم قبل الساعة الثالثة وينامون في الصباح. واللبنانيون لا يعرفون الفرق بين خليجي وآخر، المهم كما تقول النكتة «خليه يجي»، فكلهم «عندهم مصاري»، وكلهم يدغدغهم لقب يا شيخ ويا شيخة! وحده المال هو الحقيقة التي تلمع في هذا الصيف، لكي تمسح بيروت عرق تعتيرها، حتى ولو على حساب الحقيقة. ولأنني من هواة جمع الحقائق، فليسمح لي قارئ يهتم بأن أغيب عن كتابة هذه الزاوية لشهر آب (أغسطس) الحار مثل كل الخليجيين الفارين من الحر والغبار، وكل صيف وأنتم بخير. [email protected]