هدأت الشوارع بعض الوقت. وعلى رغم ساعات الليل التي تشهد عادة اختناقاً مرورياً وزحاماً بشرياً واشتباكاً شعبياً، إلا أن الحركة هدأت قليلاً لمتابعة الحديث المرتقب للرئيس مساء أول من أمس. التصق كل أمام الشاشة التلفزيونية الأقرب وهو يُمنّي نفسه بأمنيات طال تمنيها وتوقعات مل انتظارها وأسئلة عزت إجاباتها. أحمد الموظف انتظر إعلان ال1200 جنيه الموعود بها منذ سنوات يعجز عن حصرها، حسين الطبيب توقع سماع خبر أكيد عن رفع مستواه المعيشي من تحت الصفر إلى الصفر نفسه، منال الأم توقعت وضع كلمة «النهاية» لمهزلة الدروس الخصوصية التي قصمت ظهرها وقضت على المرحوم زوجها، فتحي المرشد السياحي منى نفسه بخطة أكيدة لانتعاش قريب لسياحة خرجت ولم تعد، فاطمة الباحثة السياسية عرفت أنها بصدد معرفة حقيقة أسطورة طائر النهضة بجناحيه الشهيرين ومؤخرته الأشهر. أما سيد النجار السلفي فتوقع أن يمن الله عليه وعلى أمة الإسلام في مصر بتطبيق فوري للحدود ورفع آني للقوانين المخالفة لشرع الله. أما حسام الصحافي ذو الهوى «الإخواني»، فابتعد عن الشاشة وانهمك في ممارسة طقوسه الليلية المعتادة وكأن الحديث المرتقب لم يكن. فتح موقع «تويتر» وأخذ يتابع «تغريدات» زملائه الليبراليين عن الحديث ويدحضها إن لم يكن بالحجة والبرهان فبالسخرية والاستهزاء، وقراءة تعليقات زملائه اليساريين على «فايسبوك» والرد عليها بما يفسدها ويسيء إلى سمعتها ناقلاً من اجتهادات مشايخ التطرف و «افتكاسات» دعاة التشدد. وخرج الرئيس محمد مرسي في حديث مطول مسجل أدلي به إلى التلفزيون المصري الرسمي وصفه بعضهم تارة ب «البلاستيكي» لانعدام العفوية وتارة ب «التكتيكي» لوضح الغايات الترويجية والأهداف التجميلية للأيام المنصرمة من حكم الرئيس وتارة ثالثة ب «الإحيائي» لأحاديث كاد البعض ينساها من «أزهى عصور الديموقراطية». الحديث المنسق المنمق المعلب بدا وكأنه سابق التجهيز، وكأن أسئلة المذيع تمت إضافتها في المونتاج لتتحول خطبة الرئيس إلى حوار قائم على «سين» و «جيم». وإذا كانت ال «سين» السابقة التعليب سلطت الضوء على سوء الإعداد أو ربما فرض قيود مسبقة عليه، فإن ال «جيم» جاءت في كثير من الأحيان مثبطة للهمم ومخيبة للآمال. لم يتحدث عن «مشروع النهضة» أو حتى طائره الذي طاله الكثير من القيل والقال، لكن تحدث عن «إمكانية» النهضة. لم يحدد خططاً واضحة لاستعادة السياحة بقدر ما أكد «زيادة السائحين وعددهم، وخدماتهم وخدمتهم». لم يتطرق إلى حلول واقعية لربات البيوت اللاتي توجهن إلى رصيف مجلس الوزراء اعتراضاً على «فاصوليا» عزت على الاقتناء وطماطم جن جنونها، بل تحدث عن «المانجة» (المانجو) التي انخفضت أسعارها في شكل غير مسبوق هذا العام، لدرجة جعلت البعض يحور شعار الجماعة الشهير من «نحمل الخير لمصر» إلى «نحمل المانجة لمصر». لم يُشر إلى إجراءات توفير حياة كريمة وتأمين المواطنين بقدر ما طمأن الجميع بأنه «إن شاء الله ستنام الناس في بيوتها مطمئنة على أملاكها وأموالها». حتى برنامج المئة يوم الذي أيقظ الأمل بعد طول سبات في نفوس ملايين المصريين عقب نجاح مرسي في الانتخابات اتضح حسب كلماته أنها «مئة يوم نوعية»، وهو ما يغلق الباب أمام جهود العد ومحاولات الإحصاء ومتابعات التقييم. وبحسب «مرسي ميتر» أو «عداد مرسي» الذي يراقب تنفيذ الوعود، مرت 85 يوماً من المئة يوم الأولى، وتم تنفيذ أربعة وعود من أصل 64 وعداً. ورغم ذلك، توالت وعود الرئيس في الحوار التلفزيوني بحل المشاكل الفئوية واستعادة الأموال المهربة ومكافحة الفساد والقضاء على مشاكل العشوائيات وتوفير الحياة الكريمة الهانئة، وغيرها كثير، وهو ما دفع كثيرين إلى استعادة السؤال الشهير الذي طرحه الراحل اللواء عمر سليمان: «بط هوين؟» (حين تساءل عن جاهزية المصريين للديموقراطية). وإلى أن يتم تحديد مواعيد لتنفيذ الوعود، أو تصفير العداد وإعادة العد من جديد، تلقف مئات الحوار واتخذوه مادية ثرية للقيل والقال على الشبكة العنكبوتية. آلاف التغريدات والتعليقات المناهضة ل «المانجة» أو الساخرة من توافرها بأسعار تقل عن الطماطم تراوحت بين التركيز على «أهمية مانجانية التعليم» و «ترشيح فرغلي (من أشهر محلات العصائر) للرئاسة» أو الإشادة ب «أزهي عصور الفخفخينا» (كوكتيل عصير الفواكة) تزامنت وغيرها من التعليقات ممن أعجبوا بالحوار. فبين «لماذا نتعجل الأمور؟ تحملنا الظلم والفساد 30 عاماً والآن نطالب الرئيس المنتخب بتحقيق مطالبنا في مئة يوم. صبراً!»، و «الرجل (مرسي) يعيش الواقع وهو صالح يريد الخير والاستقرار ويكره الفساد، والأهم أنه اختيار شعب مصر العظيم»، جاء التعليق الأكثر إثارة على لسان مراسل «الجزيرة» الذي رأى أن الرئيس مرسي يتمتع ب «كاريزما» الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. أما أمنيات المواطنين وأحلام الحالمين وتوقعات المنتظرين فمنها ما تبدد في هواء «النهضة»، ومنها ما تم وضعه على خاصية الانتظار، ومن أصحابها من مازال يؤمن بأن الرئيس مرسي جاء لينهض به.