«من لا يَرحم لا يُرحم» الحديث... من أين أبدأها؟ وكيف أصوغها؟ وبأي شعر يستفيض قلمي؟ هي ليست مشاهد درامية! ولكنها مشاهد حقيقية! من واقع الحياة، وأدع تلك اليتيمة تتحدث بلسانها وتبوح بما تحمل من آهات المظلومين. المشهد الأول: في آخر يوم من أيام الاختبارات، وبالتحديد في لجنة الاختبار والسكون يحيط بالمكان، وفجأة تدخل مديرة المدرسة وتقع عيناها على الجريمة، إنها حذائي تقول لونه مخالف، وبكل قوة تدفع الطاولة وتأمرني بخلع حذائي والسير على الأرض الباردة في الشتاء حافية، فرفضت وأخرجتني خارج الصف وأمرتني بالذهاب للإداريات فنزلت للأسفل ظناً مني أنها تُريد الإدارة، وما كان منها إلا أن لحقت بي وبدأت تشدني للصعود وصفعتني على خدي وشدت شعري، وتمزق إثر الشد الجاكت الذي كنت ألبسه، وبدأت أصرخ والكون يردد صدى صراخي والدموع تنهال على خدي بغزارة كالنهر الجاري. المشهد الثاني: تمر الأيام وتتكرر مواقف الظلم والقهر والإذلال، وانتهيت من مرحلتي المتوسطة لإكمال الثانوية، وأفاجأ في يوم ذهابي أنني مرفوضة وتريد طردي من الصف بكل قسوة وعنف في يوم من أيام شهر الرحمة والغفران والكرم، لأنها مدرستها ولا تُريدني فيها، فما ذنبي؟! وبدأت صرخاتي الصامتة تفتت أعماقي والدموع أنحبست في مُقلتي. المشهد الثالث: اللهم بك أصبحنا، في صباح يوم من أيام الاختبارات، وأنا ذاهبة للطابور الصباحي توقفت على صوت المديرة تناديني وتقول: أنتِ تبرقين اليوم وأوقفتني أمام الجميع من معلمات وإداريات عند مكان توقيع حضور الموظفات، وتبدأ المهزلة، وتقول ماذا وضعت على وجهك؟ انظروا وتُشهد المعلمات، ولم أتلفظ بكلمة متعجبة! انظر إليها وانظر إلى معلمتي، وتردد معلمتي أثر الاستحمام والنظافة لا شيء في وجهها، وتأخذ المديرة منديلاً كان في يدي وتمسح على خدي وتقول للجميع انظروا ماذا وجدت حمرة خدود، والمهزلة أنها وضعت من يدها أحمر خدود ولم يكن في وجهي شيء سوى الشحوب والإرهاق والشفاه الجافة! وجعلت الله تعالى أهون الناظرين إليها! وتناست قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه»... الحديث. أنا قصة صاغ الأنين حروفها... ولها من الألم الدفين سياقُ... أنا أيها الأحباب مُسلمةً لها. قلبُ إلى شرع الهُدى تواقُ... حتى إذا انكشف الغطاء وغردت... أمالٌ وبدا لنا الإشراقُ... وقف الظلم على الطريق فلا تسأل... عما جناهُ الظلم والقهر والإذلالُ... شراسةٌ يقف الخيال أمامها متضائلٌ وتمجها الأذواقُ. ...وتتوالى تلك المشاهد المبكية لهؤلاء اليتيمات في المدارس التي قد تكون بين يتيمة وإدارية، أو مرشدة طلابية، أو معلمة! لم تُحسن التعامل وتقف اليتيمة بكل قوة وعنف وعناد لتدافع عن نفسها، وتقابل ذلك المجتمع بالحقد والكراهية، لأنه هو الذي ابتدأها بذلك الحقد والكراهية بلا ذنب! سوى أنها بلا أم ولا أب وخرجت إلى هذه الحياة الدنيا بلا اختيار منها. وأخيراً، أوجه نداءً من الأعماق لوزارة التربية والتعليم لفتح ملف هؤلاء اليتيمات والنظر في كيفية التعامل معهن، فهذه الودائع الإنسانية بحاجة إلى من يحميهن، إذ إن الدور الإيوائية تنعدم فيها العلاقات الاجتماعية كعلاقة الأمومة والأبوة والأخوة وصلة القرابة، وهي علاقات ضرورية في تنشئة الطفل وإعداده، فالنمط الأسري الطبيعي مفقود. يقول صلى الله عليه وسلم: «كُلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته...»... الحديث. معلمة ومشرفة مصلى