دعت بعثة من البنك الدولي الحكومات الجديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى إجراء إصلاحات جذرية في المجالات الاجتماعية، خصوصاً تطوير الخدمات الأساسية لسكان الأرياف والمناطق العشوائية، ومعالجة قضايا الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، وتعليم المرأة، والرعاية الصحية، وتحسين دخل الشباب، وتسريع وتيرة التنمية البشرية، باعتبارها قضايا ملحّة تساعد في تحقيق التوازن الاجتماعي والاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية. وقال رئيس البعثة باتريك بروسكي ل «الحياة»، خلال زيارة ميدانية إلى عدد من مناطق المغرب: «يعتبر البنك الدولي معالجة القضايا الاجتماعية والتنمية السكانية ضرورة ملحّة في المنطقة العربية التي تواجه تحديات كبيرة في تنمية المناطق النائية والقضاء على الفقر والإقصاء الاجتماعي»، لافتاً إلى ان البنك سيعمل على دعم برامج الحكومات التي تُقدم مشاريع في مجالات التنمية البشرية، وسيؤسَّس مركزٌ إقليمي لتجميع المعلومات حول تجارب التنمية البشرية العربية استناداً إلى التجربة المغربية الناجحة التي نجحت في تقليص الفقر والتهميش وتعليم الفتاة القروية. وحصلت الرباط الأسبوع الماضي على قروض تفضيلية من البنك قيمتها 300 مليون دولار لتمويل جزء من الشطر الثاني من «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» التي تقدر نفقاتها ب 17 بليون درهم (بليونا دولار) حتى 2015. وكانت المبادرة التي أطلقها ملك المغرب محمد السادس عام 2005 وبلغت كلفتها نحو 3.2 بليون دولار، أتاحت تحسين دخل خمسة ملايين شخص في مئات القرى والأرياف، وساعدت آلاف الفتيات الفقيرات على مواصلة تعليمهن الثانوي، وقلصت معدلات الفقر خمس نقاط إلى 10 في المئة من مجموع السكان. واقترح البنك تعميم التجربة المغربية على دول أخرى مثل اليمن والعراق وتونس التي شارك ممثلون عنها في الزيارة الميدانية إلى المناطق الفقيرة المتاخمة لمراكش والتي استمرت ثلاثة أيام. وأوصى المشاركون في الحلقات الدراسية التي شملت الوضع الاجتماعي في المنطقة العربية بتعميق الديموقراطية عبر إشراك السكان في إعداد برامج التنمية البشرية التي تقترحها الحكومات المركزية وتنفيذها. وقال مندوبون من العراق وكردستان واليمن وتونس وأندونيسيا والمغرب ان التشارك بين الحكومات والسكان المحليين والمجتمع المدني محطة متقدمة للتخطيط الإنمائي والشفافية الإدارية والحوكمة الرشيدة في التدبير الاجتماعي، بهدف تحسين الخدمات الأساس للنساء والشباب والسكان القرويين. ويُعتبر نحو 20 في المئة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الفقراء، وفقاً لتصنيفات البنك الدولي، وهي من أعلى النسب الدولية، باستثناء إفريقيا جنوب الصحراء، ويعيش معظمهم في مناطق نائية أو ضواحي المدن الكبرى حيث تنعدم التجهيزات والبنى الأساس والخدمات الضرورية. وظهرت خلال السنوات الماضية فئة المتعلمين الفقراء بسبب ارتفاع البطالة وعدم التوازن بين النمو وحاجة المجموعات السكانية إلى التعليم والعمل. ورأى خبراء دوليون ان عدم معالجة مشاكل هذه الفئات من المجتمع قد تكون سبباً لقلاقل وعدم استقرار اجتماعي مستقبلاً في منطقة لم تتعاف بعد من تداعيات «الربيع العربي» الذي أنتج حكومات ذات تجارب محدودة في التعاطي مع قضايا التنمية السكانية في منطقة تعاني تراكمات من عدم الاهتمام بالثروات البشرية.