تتواصل الحوارات بين وسطاء عن القصر الملكي وجماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن لثنيهم عن مقاطعة الانتخابات النيابية المقررة قبل نهاية العام، في وقت صرح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أول من أمس بأن «الإخوان» أمام خيارين: إما المشاركة في الانتخابات المقبلة أو البقاء في الشارع. مع ذلك، فإن هذه الحوارات وصلت إلى طريق مسدود، بحسب المطلعين عليها، وهو ما دفع على ما يبدو أحد المحاورين الإسلاميين، وهو الرجل الثاني في التنظيم زكي بني ارشيد، إلى القول إن الحوارات الجارية «ليست سوى فشك (رصاص) فاضي»، في حين لم يتردد الوسيط الملكي المكلف محاورة «الإخوان»، وهو الوزير و«الإخواني» السابق بسام العموش، عن التعبير بشكل أو بآخر عن استياء المؤسسة الرسمية من الشروط التي تضعها الجماعة لقاء مشاركتها في الانتخابات، مردداً المثل الشعبي المعروف: «اللي ما بدو يجوز بنتو بغلي مهرها» (من لا يريد ان يزوج ابنته يرفع مهرها). كما كشفت المصادر المطلعة على تفاصيل الحوارات الجارية بين الطرفين ل «الحياة»، عن طلب تقدم به الوسيط الملكي يدعو فيه الجماعة إلى تقديم تصورات مكتوبة لمطالبها الإصلاحية لعرضها على القصر. لكن المحيطين بالعموش أكدوا ل «الحياة» ان هذا الأخير لا يشعر بالتفاؤل من نتائج الحوارات، بسبب إصرار الإسلاميين على إجراء تعديلات جذرية على قانون الانتخاب، ووضع قائمة جديدة من النقاط المتعلقة بالتعديلات الدستورية. وكان العاهل الأردني اعتبر في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» اول من امس أن «الإخوان يسيئون تقدير حساباتهم بشكل كبير عبر إعلانهم مقاطعة الانتخابات». لكن بني ارشيد، تساءل في مجمل رده على التصريحات الملكية بالقول: «لماذا تُحشر الحركة الإسلامية بين خياري المشاركة أو البقاء في الشارع ... كل ما نطالب به إصلاح حقيقي ومشاركة شعبية جادة». وتابع موضحاً: «إذا حشرنا بين خيارين، سيكون فضاء الشارع أفضل وأكثر تأثيراً». لكن النائب في البرلمان الأردني بسام حدادين، رأى أن حديث الملك الأخير وضع النقاط على الحروف و«لم يعد هناك مجال للمناورة من الإسلاميين». وأضاف ل «الحياة»: «هناك استحقاق انتخابي يجب إنجازه، والإخوان لن يتمكنوا من التراجع عن قرار المقاطعة». وتابع: «إعلان الجماعة تشكيلها المجلس الأعلى للإصلاح حسم المعادلة بالكامل ... فالتيار المسيطر على المجلس تيار راديكالي يقوده الإخواني سالم الفلاحات الذي يتمسك برفع السقوف والدعوة إلى ملكية دستورية، ما يجعل التنظيم عاجزاً عن التوجه نحو المشاركة». يأتي ذلك، فيما كشف بني ارشيد ل «الحياة» عن صيغ جديدة تتبناها الجماعة للمرة الاولى في ما يخص التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب، اذ تحدث عن ثلاث صيغ تطرحها الجماعة، تتضمن الأولى إجراء الانتخابات على أساس القائمة الوطنية الكاملة، إذ يرشح كل حزب أو تكتل 120 نائباً (عدد مقاعد البرلمان)، ويسمح للناخب بالتصويت على واحدة. أما الصيغة الثانية فهي أقرب إلى النظام المختلط، إذ يسمح للناخب بالتصويت على قائمة وطنية مفتوحة يكون لها 50 في المئة من مقاعد البرلمان، في حين يصوت الناخب داخل الدائرة الخاصة به (المحافظة)، شرط أن يصوت بعدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة (وهذه الصيغة متبناة سابقاً من قبل الجماعة). وتدعو الصيغة الثالثة الى العودة إلى القانون الذي أجريت على أساسه انتخابات عام 1989، إذ تلغى بموجبه القائمة الوطنية ويسمح للناخب بالتصويت بعدد المقاعد المخصصة للدائرة. وكان البرلمان أقر في تموز (يوليو) الماضي تعديلات جديدة على قانون الانتخاب بتخصيص 27 مقعداً لقائمة وطنية مفتوحة، مع الإبقاء على قانون الصوت الواحد داخل الدائرة. ميدانياً، تواصلت التظاهرات الليلية في مدن أردنية عدة لليوم السادس على التوالي، مطالبة برحيل الحكومة وحل البرلمان، والإفراج عن ناشطين شبان اعتقلوا بعد أن رددوا شعارات طاولت مؤسسات سيادية في البلاد. وتجددت أحداث الشغب في قرية راكين التابعة لمدينة الكرك الجنوبية ليل الأربعاء - الخميس، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، ووقعت صدامات بين سكان محليين وقوات الأمن التي أطلقت الغاز المسيل للدموع. وفي العاصمة عمان أيضاً، احتشد شبان أمام مقر وزارة الداخلية وهتفوا بشعارات مرتفعة السقف، ما دفع قوات الأمن إلى اعتقال اثنين منهم في الليلة نفسها. وقال سياسيون حوارتهم «الحياة» في عمان، إن المسيرات والاعتصامات الليلية تحوّلت إلى صداع يؤرق صناع القرار في البلاد، وسط مخاوف لدى أطراف عدة من تدهور الأمور ووصولها حد المواجهات بين الناشطين وقوات الأمن، على وقع الاحتقان وارتفاع وتيرة الهتافات.