أكدت المحكمة الإدارية في محافظة جدة، على أن هيئة الرقابة والتحقيق لم تحضر شخصيات متورطة في قضايا رشوة موظفي الدولة، ولم تحقق معهم، إذ اكتفت بإحضار أشخاص يعملون بشركات تعمل على تنفيذ مشاريع تخص جهة عمل هؤلاء الموظفين المتهمين، خصوصاً أن الوقائع المنسوبة ضدهم كراشين لا تنطبق عليهم وإنما يمكن القول بأنهم «وسطاء». وأوضحت «المحكمة» أن الادعاء العام أغفل التحقيق مع «الراشين» وهو ما أسهم في إفلاتهم من العقاب، الأمر الذي دعا «المحكمة» إلى اتخاذ قرار إعادة ملف القضية إلى هيئة الرقابة والتحقيق. وجاء تأكيد «المحكمة» أثناء النطق بالحكم يوم أمس ( الأربعاء) في قضيه ستة متهمين بالرشوة على خلفية كارثة السيول بينهم مدير مشاريع في شركة حكومية (تحتفظ «الحياة» باسمها)ومتهم آخر من الجنسية النيوزلاندية، وآخرون من جنسيات عربية متفرقة. واتهمت هيئة الرقابة والتحقيق مدير تنفيذ المشاريع في شركة حكومية بتلقي رشاوى تصل إلى 600 ألف ريال عبارة عن حوالات مالية من شركات، إضافة إلى رشاوى عبارة عن تذاكر طيران من جدة إلى نيويورك، وقلم فاخر وساعة يد، وكاميرا فوتوغرافية، وسيارة، وشقة في القاهرة ، وأجهزة حاسوب. وحكمت «المحكمة» بإعادة ملف القضية إلى هيئة الرقابة والتحقيق لاستكمال التحقيق مع أسماء لم ترد في ملف القضية، إضافة إلى معالجة ما لوحظ من قصور في قرار الاتهام المحال به المتهمون الماثلون أمامها، إذ لاحظت «المحكمة» أن المتهمين الماثلين أمامها متهمون بالرشوة نتيجة قيامهم بدفع مبالغ مالية لمسؤول مشاريع في الشركة الحكومية. وقالت «المحكمة»: «إن المتهمين الماثلين أمامها يعملون لدى شركات متعاقدة مع الشركة الحكومية على تنفيذ بعض المشاريع ومن ثم فإن ما دفعه هؤلاء المتهمون لم يكن لتحقيق مصلحة شخصية وإنما للشركات التي يعملون لديها». وأشارت «المحكمة» إلى أن أوراق القضية فيها ما يفيد أن الشركات هي من دفعت تلك المبالغ ومن ثم فإن التكييف الصحيح لما هو منسوب إليهم هو التوسط في الرشوة ومن ثم عدم انطباق الوقائع مع ما هو محالون فيه من اتهامات بالرشوة فضلاً عما انكشف ل «المحكمة» من أن لائحة الاتهام خلت من أسماء أشخاص كان يتوجب توجيه الاتهام لهم ولم تحتو أوراق القضية على ما يفيد استدعاءهم للتحقيق وعدم تقديم ممثل الادعاء ما يبرر عدم استجوابهم أو التحقيق معهم حتى الآن. في حين اعتبرت «هيئة الرقابة» تلك الرشاوى هي من باب تسهيل الأمور للشركات التي ترتبط في مشاريع الصرف الصحي والسكوت عن بعض الأخطاء في حال وجدت أثناء تنفيذها، وزيادة العمالة وغيرها من الأمور الأخرى التي وردت في قرار الاتهام. وبدأ قاضي المحكمة الإدارية الدكتور سعد المالكي بمواجهة المتهم الأول وهو مسؤول تنفيذي في الشركة الحكومية، ببعض التهم منها إيداع مبالغ مالية في حسابه الشخصي، إذ رد بالقول: «هذه الأموال هي مبالغ للمساهمة في إنتاج فيلم وعمل حملات توعوية كانت ستنفذ من طريقة دعائية». وسأله القاضي حول تلقيه جهاز «كمبيوتر» من أحد موظفي الشركات التي تم التعاقد معها، إضافة إلى السيارة، والشقة وغيرها من الرشاوى، وأوضح «المتهم» أن المبالغ المالية المشار إليها في قرار الاتهام كانت لغرض الحملة التوعوية المزمع تنفيذها، وبالنسبة للسيارة والأجهزة فإنها من أمواله الخاصة ولم يحصل عليها من طريق الرشوة. وواصل القاضي أسئلته للمتهم بقوله: «هل اختصاصك جمع الأموال !»، ليرد عليه المتهم بقوله : «إن جمعه للأموال كان بهدف إنجاز المشاريع من خلال الانتهاء من الفيلم الخاص بها خصوصاً وأن هناك ضغوطات كبيرة مورست عليه من جانب جهات حكومية أبرزها المرور بسبب كثرة المشاريع وتسببها في تعطل المواطنين». واكتفى «المدعى العام» أمس بما قدمه في قرار الاتهام، إضافة إلى أقوال «المتهم» المصادق عليها شرعاً والتي تضمنت اعترافاته بالجرائم التي ارتكبها في هذا الشأن. كما واجه القاضي المتهم الثاني وهو من الجنسية النيوزلاندية بتهمة المشاركة في الرشوة من خلال إيداع 200 ألف ريال في حساب المتهم الأول، ورد المتهم انه لا يعلم عن ذلك شيئاً ولم يعترف بصحة ما نسب إليه شرعاً ولم يقدم للمتهم «ساعة يد». وعقب محامي أحد المتهمين محمد المؤنس بقوله : « الادعاء أسس دعواه على ما ذكره المتهم الأول بحق موكله، بينما تراجع المتهم الأول عن أقواله ولم يحضر ما يثبت صحة تلك التهم الموجهة لموكله «، مشيراً إلى أنه لا يوجد مبلغ مدفوع من قبل موكله أو الشركة التي يعمل بها. وطعن المحامي في صحة تكييف الوقائع الواردة بقرار الاتهام وعدم نظامية ما تضمنته، فيما أكد المتهم الثالث من جنسية عربية أن اعترافاته المصدقة شرعاً كانت بالإكراه، وقال : « تقدمت شاهداً وأصبحت متهماً لدى هيئة الرقابة والتحقيق»، كما رفض المتهم الرابع ( من جنسية عربية) ويعمل في إحدى شركات المقاولات التهم التي وجهت ضده المتضمنة دفع 100 ألف ريال كرشوة للمتهم الأول. وبمواجهة المتهم الخامس (من جنسية عربية) ويعمل نائباً للمدير العام في إحدى شركات المقاولات بتهمة دفعه 75 ألف ريال للمتهم الأول نفى تلك التهمة، وقال: « إن دوره اقتصر على نقل رغبة المتهم الأول وهو مدير تنفيذ المشاريع في الحكومية إلى مديره عن فكرة إنتاج فيلم دعائي، موضحاً أنه لم يدفع ريالاً واحداً رشوة» . ونفى المتهم السادس (من جنسية عربية) جميع التهم التي وجهت له بتقديم حاسب آلي، وقلم فاخر، وكاميرا من أجل تسهيل أعماله، وكرر إنكاره لما نسب إليه من تهم، كما واجهه القاضي باعترافات المتهم الأول ونفى كل التهم التي وجهت له. وأمام ذلك اكتفى «المدعي العام» بما جاء في قرار الاتهام وأدلته، إضافة إلى تصديق اعترافات المتهم الأول المصادق عليها شرعاً، مشيراً إلى أن المتهم الأول أخذ مبالغ مالية لأداء مهام هي في الأصل من مهام وظيفته.