عندما كتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري (1900 - 1944) نصّه الأنجح «الأمير الصغير»، الموجه للأطفال في المقام الأول، حرص على أن يضمّن العمل مستويات أخرى للتأويل، ولا سيما مستوى يسبق وعي الطفل المبهور ب «الحدّوتة» والرسومات المصاحبة، وبُعد يناسب المتلقي الناضج، لذلك حافظ «الأمير الصغير» على تفوقه الدائم، إذ تزداد مبيعات الكتاب سنوياً، وتنتشر بين أكثر من مئتي لغة، عدا عن تحويل العمل مسلسلات تلفزيونية وكرتونية. والغالب أن تلك المستويات المدمجة في بنية العمل هي التي ضمنت ل «الأمير الصغير» النجاح، والاستمرارية، حتى بعد الطفرة الرفيعة التي تحققت في ميدان الكتابة للطفل وأفلام الكرتون. اما التغاضي عن مثل تلك المستويات فهي التي وضعت فيلم «صُنع في مصر» للنجم المصري أحمد حلمي (إخراج عمر سلامة وتأليف مصطفى حلمي)، ثالث فقط في سباق الإيرادات، خلف فيلمي «الفيل الأزرق» و»الحرب العالمية الثالثة»، وجلبت موجة من الانتقادات ضد الفنان الذي ظل سنوات متربعاً على عرش الكوميديا المصرية. شيخوخة كوميدية يقدم «صُنع في مصر» خلطة اعتاد حلمي تقديمها، تبدأ بفكرة تخييلية منبتة الصلة بالواقع (تتمثل هنا في التبادل الذي حدث بين الدمية وعلاء)، يعقب ذلك فتح الباب للخيال، ومد الخط على استقامته، حيث يرصد الفيلم العلاقة بين الدمية بعدما صارت هي علاء (أحمد حلمي) وبين علاء الذي تحول إلى إنسان بشخصية دمية ناطقة، يتخلل ذلك التيمة الرئيسة التي يحب حلمي تقديمها: التحول من شخص فاشل وضائع، الى شخص ناجح يمتلك تصوراً واضحاً عن المستقبل. لطالما نجحت مثل هذه التوليفة في وضع حلمي في مرتبة متقدمة بين أقرانه، إلا أنها في حالة «صُنع في مصر» لم تكن الاختيار الأنسب، وهذا يرجع لأسباب عدة، كان أولها افتقار العمل للعمق، وهو الأمر الذي يضعه في مصاف أفلام موسم العيد التجارية التي تستهدف الأطفال والصبية، وثانيهما أن حلمي لم يكن موفقاً في أدائه، لم نلحظ ذلك الفارق في تأديته دور علاء الشاب المرتبك المحدود الطموح والأناني، وبينه عندما تحول إلى «دبدوب». لم يبدِ «الكوميديان» المصري تلك المرونة التي توحي بفارق شاسع بين إنسان، ودمية احتلت جسم إنسان. كذلك كان لقلة جرعات الضحك في الفيلم، مقارنة بما يقدمه حلمي نفسه في أعماله السابقة، ومقارنة كذلك بأعمال كوميدية أخرى معروضة في دور العرض السينمائية ذاتها، بل ومقارنة أيضاً بالفيلم الأميركي «تيد» لمارك والبيرغ، والذي يرى بعضهم أنه النسخة الأصلية لفيلم «صُنع في مصر»، كل تلك المقارنات لم تكن لمصلحة الفيلم وأبطاله. لكن هذا لا يعني التسليم بفكرة أن العمل مقتبس من الفيلم الأميركي «تيد»، فمن الصحيح أن الفيلمين يقومان على فكرة مفادها بأن الروح تدب في الدمية بسبب أمنية طفل صغير، إلا أن التناول والحدث يختلف كلياً بين العنوانين. كذلك جاءت عملية القرصنة التي تعرض لها الفيلم، لتكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، خصوصاً أن ذلك التسريب أتى فائق الجودة ولا يقل تقريباً بأي شكل عن الصورة والصوت المعروضين في دور العرض. ولا يستطيع أحد هنا أن يلوم حلمي على رد فعله الغاضب حيال عملية القرصنة التي تعرض لها، بخاصة وهو شريك في الإنتاج رفقة إيهاب السرجاني عبر شركة (شادوز). كما أن تلك القرصنة ليست الأولى التي يتعرض لها، وبالتالي ليس مستغرباً أن تتردد أقاويل عن نية حلمي اعتزال الإنتاج. هذا بخلاف أن الفيلم يعكس قدراً من التكلّس والتيبّس في النوع الذي يفضل حلمي تقديمه من الأفلام، ليصبح مثل الحاوي الذي لا يجيد إلا خدعة أو خدعتين فلا يمل من تكرارهما، من دون محاولة جادة لاستكشاف مساحات جديدة، ومناطق بكر لم تطأها السينما المصرية (وما أكثرها). أضف الى ذلك أن الفيلم قبل الأخير الذي قدمه حلمي، «على جثتي»، كان بدوره خطوة أولى في مضمار الشيخوخة الفنية الذي يمضي حلمي فيه بإيقاع ثابت، وبالتالي فإن إخفاقاً جديداً متمثلاً في فيلم أحادي الأبعاد مثل «صُنع في مصر» لا يساهم إلا في تكريس الحالة التي يمر بها الممثل المصري، وهي حالة «ليس لديّ فكرة محددة، لكنني سأصدر فيلماً في كل موسم»! على مستوى الإخراج، لم يضف عمرو سلامة قيمة حقيقية للفيلم، ربما باستثناء جمال الصورة والألوان، والطاقة التي تشع منهما، بخاصة إذا عرفنا أن الشخصية الرئيسة في العمل تمتلك محلاً لألعاب الأطفال، وأن الكثير من المشاهد تم تصويرها في ذلك المحل، أو في مدينة الملاهي، بما تحملها تلك الأماكن من طاقة تنفذ إلى الصورة ومن ثم إلى المشاهد. وفيما يخص أداء أبطال العمل، فيبدو للأسف أن الأسماء الثانوية هي التي حمل أداؤها قدراً من التوفيق، مثل الطفلة نور عثمان، أو الفنان إدوارد الذي نجح بأدائه المختلف والشكل الجديد الذي أطل به في رسم ابتسامة على شفاه المشاهدين.