لم يكن عادياً استقبال أهالي مركز أرمنت في محافظة الأقصر (جنوب مصر) لرئيس مجلس شورى «الجماعة الإسلامية» رفاعي طه الذي أطلقت السلطات سراحه قبل أيام بعد 11 عاماً قضاها في السجون، فالمركز وقراه، خصوصاً قرية «نجع دنقل»، معروف بغلبة التيار الإسلامي فيه، خصوصاً المنتمين إلى «الجماعة الإسلامية». وكان أهالي «نجع دنقل» استقبلوا مساء أول من أمس رفاعي طه استقبال الأبطال وسط حشد من أعضاء وقيادات «الجماعة الإسلامية» بينهم حسين شميط المتهم بتنفيذ محاولة اغتيال مبارك. وشهد النجع مسيرات وتكبيرات وأناشيد وخطباً دينية وكثيراً من الفعاليات التي أقيمت للترحيب بطه. وألقى طه خطبة في مسجد القرية ناشد خلالها الرئيس مرسي التدخل والسعي إلى إطلاق سراح عمر عبدالرحمن من سجون أميركا، معتبراً أنه «مفجر رئيس لثورة 25 يناير»، إذ إن «الثورات عمل تراكمي لا تنفصل فيه فترة زمنية عن أخرى، ومن هنا فإن الشيخ عبدالرحمن أول من كشف فساد النظام السابق». وأقر طه بأن «التيار الإسلامي كانت له أخطاء كثيرة في الماضي، وأنه حان الوقت لتجاوز تلك الأخطاء»، مشيراً إلى أن «إصلاح حال التيار الإسلامي من شأنه صلاح حال الناس». وقال: «هناك فترة طويلة للوصول إلى الدولة الإسلامية التي لن تتحقق إلا بتكاتف التيار الإسلامي وأبناء الوطن». واتهم في أول ظهور له وسائل الإعلام بالعمل على «تشويه صورة التيار الإسلامي والسعي إلى النيل من رموزه». ولم يستبعد القيام بدور سياسي في المرحلة المقبلة، مرحباً بالعمل في أي موقع تختاره له قيادة «الجماعة الإسلامية». وخرج من «نجع دنقل» رفاعي طه ونادي عبدالكريم منفذ محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا في تسعينات القرن الماضي والمسجون حالياً في اثيوبيا. وفيها دأب على إلقاء خطبه أمير «الجماعة الإسلامية» عمر عبدالرحمن المسجون في الولاياتالمتحدة بتهمة التآمر لتنفيذ هجمات إرهابية. ودفعت القرية ثمن الصراع بين الدولة والجماعة بتهميشها وإقصاء أهلها الذين يبلغ تعدادهم نحو 20 ألفاً. ويظهر هذا في شوارعها غير الممهدة التي تغيب منها خدمات الصرف الصحي أو مياه الشرب النظيفة. وهي في ذلك حالها مثل مئات القرى في مصر، لكن منذ أن زار عبدالرحمن القرية وألقى خطباً في مسجدها وقوبل بحفاوة بالغة، حُرم أهلها من التعيينات الحكومية ومن العمل في القضاء والشرطة في ما يشبه عقاباً جماعياً لانتماء أعضاء وقادة «الجماعة الإسلامية» إليها. وروى أهالي القرية ل «الحياة» أن عشرات المدرسين من أهل القرية فصلوا من عملهم «لأسباب تعسفية»، ورفضت الدولة إقامة معهد أزهري فيها رغم تبرع أهلها بالأرض وكلفة المنشآت. ولا تضم القرية لا مركز شباب ولا مدرسة ولا وحدة صحية، ولا حتى مقراً انتخابياً للاقتراع. وقال غريب طه شقيق زعيم «الجماعة الإسلامية» رفاعي طه: «حتى حملة المئة يوم التي أعلنها الرئيس محمد مرسي لم تعرف طريقها إلى نجع دنقل، فأكوام القمامة منتشرة والظلام دامس والشوارع مكسرة». ولم تقف المعاناة عند حد العقاب المجتمعي بل تعدته إلى العقاب الأمني، إذ اقتيد مئات من أهالي القرية في عهد النظام السابق إلى سجون جهاز مباحث أمن الدولة لأخذ معلومات عن قادة «الجماعة الإسلامية» وأعضائها في المنطقة. ويقول طه إن والده ووالدته تعرضا للتعذيب والاحتجاز الأمني لفترات طويلة، كما تعرض هو نفسه لأعمال مماثلة قبل إلقاء القبض على رفاعي طه في العام 2001 في سورية. وروى أن «حملة أمنية ألقت القبض على أكثر من 90 شخصاً في القرية في يوم واحد وزج بهم في السجون لسنوات». وتروي رسمية أحمد سليمان والدة عبدالكريم النادي المتهم بتنفيذ محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا، ما تعرضت له أسرتها بعد كشف علاقة النادي بهذه الحادثة. وأوضحت أن أسرتها كانت شبه معزولة بسبب محاولة اغتيال مبارك وأن حملات دهم المنزل لم تتوقف حتى تم توقيف النادي، مطالبة الرئيس مرسي بالعمل على استعادة ابنها من اثيوبيا بعد أن أكدت معلومات أنه على قيد الحياة في أحد السجون هناك.