عرّى أحد الكُتّاب في صحيفة محلية سعودية ما سماه ب«فضيحة ناسا» التي على - حد زعمه - تكتمت على نتائج أبحاث علمية خطرة استغرقت عشرة أعوام من عمر المؤسسة العريقة عن ليلة القدر! يقول الكاتب إن وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» رصدت توقفاً كلياً في حركة الشهب والنجوم في ليلة القدر، ولكنها أخفت الخبر المثير عن العالم! لماذا أبقت «ناسا» الأمر طي الكتمان؟ طبعاً، الإجابة يدركها الصغير قبل الكبير! وبعد أن ترك الكاتب «ناسا» تلملم فضيحتها المجلجلة، شرع يطالب الحكومات العربية بإنشاء مراكز بحثية، عوضاً عن إهدار أموالها في مشاريع تسلح لا نفع منها ولا طائل، لماذا؟ حتى تتمكن تلك المراكز من استخراج الإعجاز العلمي المنثور في أحشاء القرآن الكريم والسنة النبوية، وساعتها فقط نستطيع أن نلوي عنق العالم لياً إلى الإسلام! يندرج مثل هذا الكلام ضمن سياق «ما يطلبه المستمعون»، فالجماهير العريضة لا تحب إلا من كان صوته صدى لها، وكلماته مداداً لها، لا تريد الجماهير من يوقظها من سباتها، ولا من يرش الملح على جراحها، ولا من يضعها أمام المرآة لترى حقيقة وجهها، إذ ليس هناك ما هو أخف على النفس من أن تحدثهم عن مؤامرات تحبك خيوطها تحت جنح الظلام، ومن وراء الأبواب المغلقة، لا حاجة لنا، نحن العرب، للسؤال عن الأدلة والبراهين. يكفي أن يقال إن «ناسا» تخشى أن يتسرب هذا الكشف العلمي الصادم للعالم من دون أن يجهد أحد نفسه بسؤال بسيط للغاية: ما مصدر هذا الخبر؟ ثم، إذا كان العاملون في «ناسا» علموا أنه الحق من عند الله، فلماذا إصرارهم على حجز مقاعد في الجحيم؟! ربما يخاف أحدنا أن يسأل لئلا يتهم بأنه ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة! أعادتني تلك المقالة إلى منتصف الثمانينات حين انفجر المكوك «تشالنجر» في رحلته الفضائية وصار ظلام الفضاء كفناً لأشلاء طاقمه المكون من سبعة أفراد، أذكر أني يومئذ هتفت فرحاً لمقتل أولئك الكفرة الفجرة وتحول أجسادهم إلى رماد منثور في الفضاء، ما من تفسير لدي اليوم لتلك المشاعر المخجلة التي تقمصتني وتقمصت آخرين كثر مثلي إلا الإحساس العميق بعقدة النقص والدونية أمام التفوق الغربي الحضاري الكاسح، بالمناسبة، جرّب، إن شئت الآن، دخول موقع «يوتيوب» الشهير، واكتب «تشالنجر 1986»، ثم اقرأ توقيعات من مرّوا هناك، ما من شيء تغير منذ ربع قرن من الزمان، مازالت الأفكار والمشاعر على حالها من دون أي تعديل وتبديل! قبل زمن قصير، توفي «نيل أرمسترونغ» رائد الفضاء الأميركي، وأول من حطّ على سطح القمر في عام 1969، هذه المرة، لم ينشغل العرب بسؤالهم الأثير: أيكون قبره روضة من رياض الجنة، أم حفرة من حفر النار؟ هذه المرة، انشغل العرب بتكذيب الرواية الأميركية بشأن هبوط «أرمسترونغ» على القمر، متسلحين بما أوتوا من معلومات في الفيزياء. يخيل إلي أن لا أحد من شعوب العالم قد فاق العرب حماسة على نسف الرواية الأميركية، وكأن القمر هو قمرهم، إن ما يدعو للتبسم هو أن تجد أن أولئك الذين يمتطون صهوة العلم لفضح ما يسمونه بالكذبة الأميركية هم أكثر شعوب الأرض قاطبة تصديقاً للخرافات وقصص السحر والعين والغيلان والجن! ما الداعي وراء كل تلك الحماسة؟ لقد قيل لنا قبل عقود إن «أرمسترونغ» هذا قد سمع الآذان وهو فوق القمر؟ وقيل لنا إن الله قد شرح صدره للإسلام بعد أن سمع النداء نفسه ينبعث من أحد مآذن قاهرة المعز؟ ما بال الناس يومها قد نسوا مبادئ الفيزياء التي تشترط وجود الهواء على القمر حتى ينتقل الصوت؟! ترى، أي عقل هذا الذي تتعايش فيه الخرافة والعلم جنباً إلى جنب! [email protected]