ولّت أيام اقترن فيها حي المقطم القاهري بوقفات العشاق الحالمة على هضبته وجلساتهم الرومانسية على مقاهيه، ومقايضات سائق الأجرة للصعود إلى تبته المحفوفة بمخاطر القيل والقال وشرطة الآداب. واليوم بات هذا الحي الرابض أعلى هضبة المقطم المسمى شعبياً ب «جبل المقطم» مقترناً بمقر الجماعة الحاكمة لمصر لدرجة أن سائق الأجرة يسأل الراكب المتوجه إلى المقطم: «فين من مقر الإخوان؟». لم يعد المقر الرئيس لجماعة «الإخوان المسلمين» مجرد معلم يحدد الناس وجهاتهم على أساسه، بل تم اختزال الحي بأكمله ليصبح مرادفاً ل «الجماعة». وكلما احتدم نقاش سياسي أو تأجج حوار قانوني يحوي أحد أعضاء الجماعة المتحولين إلى ذراعها السياسية حزب «الحرية والعدالة»، واجه اتهاماً قوامه أنه شوهد في المقطم أو سئل عن ملابسات زيارته للمقطم، أو طلب منه الفصل بين عمله الحزبي والمقطم. أحد قيادات حزب «الحرية والعدالة» دافع عن نفسه قبل فترة بأنه كان «ماراً بالصدفة في المقطم ولم تكن زيارة مرتبة مسبقاً للمقر». وقبل أيام رد رمز حزبي آخر على سؤال مشابه بمجاهرته: «نعم أنا دائم التردد على المقطم». وتبقى كثرة تردد المطالبات غير «الإخوانية» الحالية بضرورة الفصل بين المقطم والعمل الحزبي «الإخواني»، وكذلك دعاوى حل جماعة «الإخوان» أو حتى تقنين أوضاعها، أمراً نخبوياً بامتياز لا يعني الكثير لرجل الشارع. ساعة وربع ساعة من الشد والجذب التلفزيوني بين قانون «إخواني» وآخر ليبرالي عما إذا كان الوضع الحالي لجماعة «الإخوان» قانونياً أم لا تحملها بكل صبر وجلد «عم أحمد» حارس الأمن الذي قال بكل ثقة بينما موسيقى التتر تغطي على أصوات المتناحرين: «لا حول ولا قوة إلا بالله. هؤلاء (الإخوان) يحكمون البلد الآن! ما هذه المهاترات حول الأسماء؟! إخوان... حرية وعدالة... مرسي! ما يهمني هو إنجازاتهم. والله لو المرشد رفع لي راتبي من 300 إلى 500 جنيه سيثبت أنه أهل للحكم. لكن لو بقي الحال على ما هو عليه، إذاً لا مرشد ولا شاطر ولا مرسي ولا حتى عريان». ويبدو أن نبض العمل «الإخواني» السياسي لا يختلف كثيراً عن النبض الشعبي، ففي حوار تلفزيوني مع رئيس «الحرية والعدالة» بالإنابة وأحد أعضاء الفريق الرئاسي عصام العريان، قال رداً على سؤال عما إذا كان وضع الجماعة الحالي يتمتع بالشرعية القانونية: «ليس هناك ما هو أقوى من الشرعية الشعبية». الشرعية الشعبية باركت التداخل غير القانوني بين الجماعة وذراعها السياسية، ولم تزعجها زيارات كوادر الحزب لمكتب الإرشاد، ولم تستوقفها عفوية الزيارات أو ترتيبها المسبق، ولن تعنيها كثيراً معرفة الجهات التي ستموّل الحملات الانتخابية البرلمانية المتوقعة، وسواء كانت عبوات الشاي والسكر والزيت الموزعة على الناخبين هي هبة المرشح أو جماعة تدعمه، إلا أن الشرعية نفسها هي التي ستبادر بسحب مباركتها لو لم يرتفع دخل عم أحمد ليصبح 90 دولاراً في الشهر بدلاً من 50 دولاراً، أو إذا بقي عدم إغلاق قناة «التت» المتخصصة في الرقص الشرقي هو الدليل الوحيد على عدم «أخونة» الدولة، أو لو ثبت أن المقطم لن يقدم لهم أكثر ما قدم ساكن قصر العروبة على مدى ثلاثة عقود.