تعيش سوسن، التي لم تتجاوز العشرين ولا تزال على مقاعد الدراسة الجامعية، حالاً من الإحباط، بسبب ما تصفه ب «حظها التعيس»، فقبل عامين، وبعد إنهائها المرحلة الثانوية (التوجيهي)، تمت خطبتها الى شاب رأت فيه وأسرتها مواصفات زوج جيد. وتقول سوسن: «وفق العادات والتقاليد المتعارف عليها في فلسطين، يجب على الفتاه عقد القران (كتب الكتاب) مع إعلان الخطوبة». وبالفعل، تم عقد قرانها على الشاب، وأجريت التحضيرات لحفل الخطوبة، الذي تم تحديده بعد اسبوعين، وسرعان ما بدأت الخلافات تطفو على السطح، خلافات حول مكان إقامة الحفلة وثمن ملابس العروس ومصففة الشعر وغيرها من التفاصيل، التي عقَّدت الامور وأدت إلى انهاء الخطبة. وتقول سوسن: «لكوني أنا من قرر إنهاء الخطبة، كان يترتب عليّ التنازل عن مؤخر الصداق، ودفع كامل التكاليف التي «صرفها عليَّ خطيبي»، بل إنه طالب بمبلغ 700 دولار اعتبره «بدل أضرار نفسية له ولأهله»، على اعتبار أنني مَن قرر فسخ الخطبة. وطبعاً، لكوننا كنا قد عقدنا القران، كان يجب أن يتم الطلاق وليس مجرد فسخ خطبة، وبهذا أصبحت مطلقة». وتحبس سوسن دموعها وتقول: «بعد أقل من سنة، تمت خطبتي للمرة الثانية لشاب من قريتي، وكان رأيي تأجيل عقد القران إلى موعد الزفاف، ولكن أبي وأعمامي رفضوا رغبتي، بذريعة العيب، فلا يجوز أن أجلس أو أخرج مع خطيبي بلا كتب كتاب، لان كلام الناس لا يرحم»، على حد تعبيرهم. وكانت بداية مرحلة الخطوبة الثانية تسير بشكل جيد، إلى أن بدأتُ ألاحظ بخل العريس، ولم أتوقف كثيراً عند الامر، ولكن عندما بدأنا في اختيار أثاث منزلنا، طفا بخله على السطح، وبدأت الخلافات تزداد بيني وبينه، وهنا تدخلت العائلتان، وباتت الخلافات تتسع، حتى انتهى بنا الأمر الى فسخ الخطوبة مرة ثانية، وبالتالي إنهاء عقد القران الذي لم أكن ارغب فيه منذ البداية، وها أنذا مطلقة مرتين متتاليتين ولم أبلغ بعد سن العشرين». وأظهرت الإحصاءات أن نحو نصف حالات الطلاق المسجلة في المحكمة الشرعية في مدينة رام الله (45 في المئة) تحصل قبل إتمام مراسيم الزواج والزفاف. ووفق الإحصاءات، فإن ما مجموعه 1581 حالة طلاق في العام الماضي وقعت قبل إتمام مراسيم الزواج، من أصل 3508 حالات طلاق سُجلت في الضفة الغربية. ويشير الشيخ يوسف دعيس رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في فلسطين، إلى أن «الانفصال بين الخطيبين يكون غالباً قبل إتمام مراسيم الزواج، ويعتبر العاملُ الاقتصادي سبباً رئيساً في ارتفاع نسبة الطلاق، فغلاء الأسعار والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون بشكل استثنائي هذه الأيام، «سبب رئيس في نشوب الخلافات التي تؤدي للأسف إلى الطلاق». ويضيف دعيس: «الاستعجال في عقد القران منذ بداية تعارف الشاب والفتاة، وعدم منحهم الفترة الكافية للتعارف والتفاهم ودراسة كل منهما الآخر، يؤدي الى مزيد من حالات الطلاق». ولا يهمل دعيس مشكلة تدخل الأهالي في الأمور الخاصة للشاب والفتاة في فترة الخطوبة، خصوصاً ان الخطوبة تكون مزدحمة بتنظيم امور حياتية زوجية مهمة وترتيبها، من تجهيز المنزل وغيرها، وهو ما يكون له دور مهم في نشوب مشاكل بين العائلتين تنعكس بشكل او بآخر على العروسين. وتوضح المختصة النفسية في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني سبينا قسطنطينيدس، أن «العادات والتقاليد التي تفرض كتب الكتاب قبل ان يتم التفاهم بين الخطيبين هي من أهم الأسباب التي تجعلهما يصلان إلى الطلاق»، ما يؤثر سلباً على مستقبل الطرفين ويصم الفتاة بالمطلقة، الأمر الذي يُشعرها بالفشل في مجتمع ينبذ الطلاق». وقالت: «الخطوبة لا تأتي دائماً نتيجة تفاهم بين الخطيبين، وإنما هناك دور كبير للعائلة، وأحياناً يحصل انفصال نتيجة التحضيرات للزواج، مثل عدد المدعوين من العائلتين، وفستان الفرح، ونوع القاعة، ومكان السكن... وغيرها، ولا يعلم الأهل أنهم يؤذون أبناءهم دون قصد عندما يسرعون في كتب الكتاب بمجرد الموافقة على العريس». وتخلص إلى أن «العائلة تحاول حماية الأنثى من الأقاويل، فتسرع في كتب الكتاب، ولا تحسب حساباً لفشل العلاقة «، لكنها ترى في ارتفاع نسبة الطلاق قبل الدخول «ما ينطوي على بعض الإيجابيات، لكون الأنثى تمكنت من أن تقول إنها لا تريد الاستمرار وإكمال علاقة لا ترغب بها».