لم يجد عبد الهادي الحجي بُداً من تجربة أي علاج «حتى وإن كان شعبياً»، من أجل أن يتخلص من الصداع المزمن الذي لا يفارقه، وآلام الظهر المستمرة منذ زهاء ثلاث سنوات. ليجد الحل «على يد أحد الحجَّامين» بحسب قوله، الذي خلصه من هذه المعاناة، بعد أن عجز الطب عن إيجاد حل لها، مؤكداً على فاعلية الحجامة في علاج مثل هذه الأمراض. ودافع عنها في وجه «الهجمات الطبية المُحذرة منها»، على رغم أن البعض يربطها في «الطب النبوي». ويقول الحجي: «عانيت من الصداع وآلام الظهر، وزرت أكثر من طبيب. إلا أن الأدوية المختلفة التي كنت أتناولها لم تكن ذات فعالية تُذكر، حتى دلني أحد الأقارب على شخص مُتخصص في الحجامة. وكنت متخوفاً في البداية من الذهاب إليه. لأنني سمعت قصصاً مُخيفة لطريقة إخراج الدم من الجسم، بأساليب بدائية شعبية، ما جعلني أتردد، لكنني قبلت لاحقاً في خوض التجربة». خضع الحجي، للحجامة في غرفة «عادية جداً»، وما أن دخلها حتى بدأ المعالج يسأله إن كان يشكو من أمراض مزمنة، أو أي الآلام يشكو منها، فأخبره بالصداع وآلام الظهر. لتبدأ جلسة المعاينة. ويكمل «حدد موضع الحجامة بكل دقة، ثم بدأ بإزالة شعر الرأس كاملاً، حتى أصبحت أصلعاً، وأعطاني ورقة تحمل سوراً من القرآن وأدعية وأذكاراً، وطلب مني أن أقرأها أثناء قيامه بعملية الحجامة». وجلس عبد الهادي مفترشاً الأرض، وأحضر الحجَّام عدته، وهي عبارة عن كؤوس ذات أحجام موحدة، ينتهي قاعها إلى فتحة صغيرة، تدخل من خلالها آلة الشفط، التي تقوم في البداية بمص موضع الألم، حتى يتجمع الدم في تورم صغير، ثم يزال الكأس، ليقوم بعدها بإحداث شقوق صغيرة متقاربة، يخرج منها الدم غير المرغوب فيه. ويتفاجأ الحجي، من كمية الدم الذي خرج منه، ولونه المائل إلى السواد، وتخثره بطريقة غريبة. وعلى رغم الألم المصاحب للحجامة، إلا أنه يؤكد أنه بعد الانتهاء مباشرة منها «شعرت بخفة ونشاط في جسمي. والآن يراودني الصداع. ولكن في شكل خفيف لا يكاد يُذكر. وأخبرني الحجَّام أنه سيزول تماماً بعد فترة». وتجد الحجامة انقساماً بين المهتمين، حول فاعليتها في مقابل التبرع بالدم، فبين محذرٍ منها، وبين مؤكد على سلامتها وفاعليتها، بشرط «اليد الخبيرة التي تقوم بها». إلا أن متخصصين في مراكز التبرع بالدم، أكدوا أن لا وجود لعلاقة بين الحجامة والتبرع بالدم. كما يظن الكثيرون. وقال طارق فؤاد، اختصاصي المختبرات في إحدى المستشفيات الخاصة، أن «الربط بينهما خاطئ، ولكنه شاع بين الناس». ويوضح فؤاد، أن التبرع بالدم «يختلف أسلوباً وهدفاً، فالحجامة يخرج الدم منها بطريقة المص، ودائماً ما يخرج الدم غير المرغوب فيه. أما التبرع فنحن نأخذ الدم الصالح، ليستفيد منه شخص آخر. فلا وجود لأي صلة بينهما على الإطلاق»، مردفاً أنه «لو أردنا عنوة أن نخلق صلة يمكن أن يكون من طريق تجديد الجسم في الدم. وهذا يحدث في كلا العمليتين. وأنا أشجع على الحجامة. لكن بشرط النظافة والتعقيم والخبرة. حتى لا تحدث مضاعفات. كما جرى لحالات كثيرة». ويطالب فؤاد، بإنشاء «أقسام طبية متخصصة داخل المستشفيات الحكومية والخاصة، تهتم في الحجامة، ليتم التزاوج بين هذا الطب الشعبي القديم، وبين الحديث، لتكون العملية تحت إشراف طبي، يؤمن بالتعقيم والنظافة، ومتابعة الحالة في شكل دقيق، حتى لا تحدث مضاعفات»، مضيفاً أنه «في حال تحقق ذلك؛ ستجد الكثير من الأمراض طريقاً للعلاج، بدل البحث عنه في دهاليز عديمي الخبرة. وحتى لا تتحول إلى استثمار على حساب معاناة المرضى». واشتغل الحلاقون قديماً في مهن كثيرة، فإلى جانب كونهم أطباء أسنان وممرضين، ومعالجين للحروق والجروح، كما اشتغلوا في الحجامة. وبرزت أسماء في مناطق كثيرة من المملكة في هذا المجال. وفي الآونة الأخيرة اتجه إلى العمل بها مشايخ ورجال دين، وممرضون وعاملون في القطاع الصحي، لتثبت هذه المهنة بقاءها، على رغم مرور كل هذه لسنوات منذ بدأ التعالج بها. ويعمل عيسى أحمد، في الحجامة منذ ثلاثة عقود، إذ ورث المهنة من جده وأبيه. وهو يدافع عنها بكل قوته، لما رأى من نتائجها «المُبهرة» بحسب رأيه، على جميع من وفدوا إلى منزله للتداوي بها. ويقول: «تعرف الحجامة على أنها علاج من طريق مص الدم بواسطة كؤوس خاصة. ويتم بطريقتين مشهورتين، إما بالحجامة الرطبة، أو الجافة. وهي عملية قديمة جداً تستخدم لعلاج الكثير من الأمراض. لأن الناس قديماً كانوا يجهلون أسباب الأمراض التي تصيبهم، فيما كانت الوسائل العلاجية محدودة جداً». ويوضح أحمد، أن «العلاجات الشعبية بصورة عامة تراجع وبدأت في الاندثار. وكانت بداية النهاية بعد انتشار الطب الغربي في بلداننا بصورة كبيرة. وما تبقى من هذا الطب يُعد من الممارسات التقليدية التي تتشبث بالبقاء. لكن تكرار فشل الطب الحديث في علاج الكثير من الأمراض والتأثيرات الجانبية لأدوية كيماوية، دفعت الناس إلى الطب البديل، والحجامة واحد منه». ويكمل عيسى، الذي لم يكتف بما تعلمه من والده عن الحجامة، فقرأ عنها كثيراً، «الطب الحديث لا يثق في الحجامة، لذا لم يدخلها ضمن التخصصات الطبية العلاجية، على رغم وقوفه مذهولاً أمام النتائج التي يحققها»، مضيفاً «كثيرون لا يعرفون أساليب وطرق ومبادئ الحجامة، فيذهبون إلى أي شخص، حتى إن كانت خبرته بسيطة. وهذا خطأ. فنحن لا نقوم بالحجامة في اليوم الذي تكون فيه حرارة الطقس مرتفعة. لأن ذلك يمكن أن يضر في المريض. ونفضل فصل الشتاء، أو بين الفصلين، أو ما يعرف محلياً «بين البرادين». وعن مستقبل هذه المهنة، يقول: «لا خوف عليها. فأنا شاهدت كثيراً من الشبان العاملين في المجال الطبي، من ممرضين وفنيين، بدأوا تعلمها وممارستها بطرق مُعقمة وأجهزة نظيفة، وهو أمر يُبشر بالخير. والناس لا يزالون يثقون فيها، وهو أمر يبقيها على قيد الحياة لسنوات وسنوات».