بُترت ساقا «زهرة» ابنة السنوات العشر، في عملية جراحية، بعد أن أنقذت شقيقها الصغير، من موت محقق. تسكن الطفلة وعائلتها في مبنى يطلّ على الشارع العام، حاله حال مبانٍ كثيرة متعددة الطوابق في أحياء العاصمة صنعاء، وتقع أبوابها مباشرة على الشارع العام. خروج الشقيق الأصغر للعب أمام باب المبنى، تزامن مع مرور سيارة نصف نقل، كادت تصدمه، ما دفع بأخته إلى القفز وسحبه إلى الخلف، لتدهس السيارة المسرعة ساقيها. الحادثة مأسوية، وبخاصة أن سائق الناقلة لم يتوقف، إلاّ بعد أن أوقفه المارة، ليؤكد لهم أنه لم يرَ أياً من الطفلين، فقرر أهل الحي أن يصنعوا «مطباً» إسمنتياً أمام المبنى، لإجبار السيارات المارة على تهدئة سرعتها، حفاظاً على سلامة ساكنيه. تنتشر «المطبات» في أحياء العاصمة، لكنها قلّما تنشأ إلاّ بعد وقوع حادثة ووقوع ضحية أو أكثر، وغالباً ما يبنيها الأهالي بصورة عشوائية من دون الاضطرار لاستصدار أوامر رسمية من الجهات المعنية في الدولة، ما يسبب أضراراً للسيارات التي لا يعلم سائقوها بوجود «مطب» إلا بعد الاصطدام بخاصة في الظلام. ولكثرة حوادث السير أمام بوابات المدارس، فإن بناء هذه المطبات يصبح ضرورة لحماية الطلاب، لكن المدارس الأهلية تكتفي بوضع لوحات تحذيرية لسائقي المركبات للتنبيه بوجود مدرسة، فغالبية المدارس تتخذ من المباني السكنية مقار لها، ما يمنع إنشاء مطبات. ويضطر أولياء أمور الطلاب، إلى توفير وسائل نقل لأبنائهم من المنزل للمدرسة والعكس، سواء بمركباتهم الخاصة أم بتحمل نفقات الاشتراك الشهري في حافلة تضمن توصيلهم وأخذهم من وإلى المدرسة. وفي الأعوام الأخيرة شهدت العاصمة صنعاء عملية إنشاء لجسور وأنفاق أرضية للتخفيف من الازدحام، غير أن هذه الجسور وبخاصة المنشأة على طول مشروع السائلة في صنعاء (مجرى لتصريف المياه في موسم الأمطار ويستخدم كطريق للسيارات أيضاً)، غير آمنة لمرور البشر، لكنهم يضطرون لسلوكها لبعد مسافة الممرات الآمنة، ويزداد الأمر سوءاً حين يضطر الأطفال الصغار لعبورها، لبلوغ مساكنهم. إلى ذلك تخلو العاصمة تماماً من ممرّات معدّة للمعوّقين حركياً من الأطفال أو الكبار، باستثناء الممرات الأرضية المنشأة أسفل الشوارع السريعة، لذا يضطر أولياؤهم إلى الخروج معهم أو نقلهم إلى أي مكان سواء للعلاج أم الترفية. عدد محدود من الأحياء السكنية اعتمد إنشاء حدائق خاصة بأهل الحي، ضمنه، إلاّ أن هذه الحدائق لا تُعمّر كثيراً، وسرعان ما يذهب اخضرارها، وتصدأ الألعاب المخصصة للأطفال فيها، لقلّة الاهتمام بها من الجهات المعنية، لكن أهالي الحي لا يجدون غيرها ملاذاً للترفيه عن صغارهم وبخاصة في الأعياد ومع اكتظاظ الحدائق العامة. ويلجأ الأطفال لطرق أخرى للترفيه، وتشهد تجارة المفرقعات والألعاب النارية رواجاً كبيراً في الأعياد والمناسبات، ورغم خطورتها تتوافر بكثرة في البقالات وبأسعار في متناول الجميع، ولا يجد الأهل بداً من الانصياع لمطالب أطفالهم بشرائها فأصوات فرقعتها تغري الأطفال بتجربتها. وبات من المعتاد أن تستقبل المستشفيات في أيام الأعياد أطفالاً مصابين بحروق، تصل بعضها لمراحل خطيرة بسبب المفرقعات والألعاب النارية، ولا تجدي كثيراً إعلانات التوعية عبر وسائل الإعلام عن مخاطرها، فلا قانون فاعلاً يمنع تداولها، بجانب الأسلحة «المزيفة» التي يُكثر الأطفال من اقتنائها، وتُقدم هدايا لهم. وغالباً ما توفر المطاعم المنتشرة في صنعاء كراسي مخصصة لجلوس الأطفال الصغار السن، ما يوفّر لذويهم إمكانية لتناول الطعام من دون الانشغال بالأطفال، لكن مساحات الترفيه فيها تظل محدودة ولا تليق إلاّ بمن تقل سنهم عن السابعة. وتعاني الأمهات مع أطفالهن الرضع في أماكن عملهن، فالقانون يضمن إنشاء حضانات للأطفال ضمن المؤسسات الحكومية ما أن يبلغ عدد الموظفات 20 امرأة إلاّ أن تطبيق القانون لا يزال محدوداً للغاية، وتجتهد منظمات غير حكومية في تطبيقه بصورة شاملة. ولا تزال الألغام الأرضية ومخلّفات الحروب غير المنفجرة، تحصد أرواح الأطفال وتتسبب في بتر أطرافهم، لتخلّف معوّقين، في المناطق التي شهدت حروباً، وفي الغالب يذهب الأطفال للمناطق الملوّثة للعب أو رعي الأغنام. ورغم جهود منظمات مدنية للتوعية بمخاطر الألغام للحد من أضرارها، وتقليص عدد ضحاياها، يدفع الأطفال اليمنيون فاتورة الحروب في مناطق النزاع، حتى بعد إعلان انتهائها. وكمعوّقة تشارك زهرة ضحايا الألغام في اليمن، الطفلة التي أبكت ممرضات المستشفى وهي تسألهن ببراءة، «لماذا حدث لي ذلك، أنا أنقذت أخي من الموت، لماذا صرت معوّقة؟ جدتي تقول إن الملائكة تحمي الأطفال؟ أين كانوا حين صدمتني السيارة؟».