بعد تخرجه مهندساً في علوم الإلكترونيّات الدقيقة في جامعة «سطيف» في الجزائر، تلقّى العالِم الأميركي الجزائري مصطفى سلماني (مولود في مدينة المسيلة الجزائرية) منحة تعليمية من حكومة بلاده وسافر إلى كندا. وهناك، نال درجة الدكتوراه في جامعة مونتريال في الإلكترونيّات الدقيقة Microelectronics، وتحديداً تصميم الدوائر المتكاملة Integrated Circuit Design. بعدها، تولى لبضع سنوات تدريس علوم الكومبيوتر والإلكترونيّات الدقيقة في جامعة «كيبك» في مونتريال. وفي تلك الفترة، أشرف على مجموعة من طلاب الماجستير والدكتوراه في نُظُم الإشارات المختلطة، وتردّدات الراديو، واختبار الدوائر المتكاملة. السحر الخفيّ للسوق في عام 1998، عيّن سلماني مستشاراً في شركة «هايبر شيب» Hyper Chip، عن تحليل الدوائر الرقميّة العالية السرعة وسلامتها واختباراتها. ثم التحق بمجموعة الاتّصالات اللاسلكيّة في شركة «آي بي أم» IBM الشهيرة (مقرّها ولاية «فِرمونت»). وما زال فيها. وفقاً لوثائق «آي بي أم»، تعتمد الشركة سلماني بوصفه باحثاً في إلكترونيّات الهواتف النقّالة، وأجهزة متطوّرة ما زالت قيد التطوير كي تطرح في السوق خلال السنوات المقبلة. كما يعمل سلماني في بحوث تتعلق بالاتّصالات اللاسلكيّة المستعملة في «أجهزة الالتقاط الأساسيّة» («بايز ستايشن» Base Station) التي تتمثّل مهمتها في الربط بين مجموعة محدّدة من الأجهزة اللاسلكيّة. كذلك يهتم سلماني بأجهزة الانترنت اللاسلكيّة، ورادارات السيّارات. ويعمل أيضاً على اختبار مكوّنات متطوّرة تعطي أجهزة الاتصالات اللاسلكيّة القدرة على النقل السريع لكميات كبيرة من البيانات الرقميّة. ويوجّه سلماني جلّ اهتمامه نحو توصيل الانترنت عبر الأطباق اللاقطة «ستالايت»، وضمان سلامة الدوائر الإلكترونية المتكاملة وجودتها، وتطوير طرق متقدّمة لكشف أخطاء تصنيع الأجهزة الإلكترونيّة في مرحلة ما قبل دمج الدوائر المتكاملة في تلك الأجهزة، لأن اكتشاف العيوب بعد تلك المرحلة يكون أمراً صعباً ومكلفاً. وفي حوار مع «الحياة»، أشار سلماني إلى انه يستخدم طرقاً متنوّعة في ضمان سلامة الدوائر المتكاملة، تتضمّن اخضاعها لدرجة حرارة عالية (85 درجة مئويّة) وباردة (40 درجة تحت الصفر)، بهدف التأكد من صلاحيتها للعمل في المناطق الصحراويّة والقطبيّة. تنوّع مهني بفضل حيوية شبابه، تميّز سلماني بأن نشاطه المهني يشمل حقولاً متنوّعة. إذ يملك 4 براءات اختراع وما يزيد على 50 مقالاً علميّاً منشوراً في مجلات عالمية. وحرّر فصلاً في كتاب جامعي عن تردّدات الراديو، نشر في عام 2005. وأنجز بحوثاً رائدة في تصميم الدوائر المتكاملة. وصمّم ما يسمى علميّاً «اختبار الحساسية»، وهو طريقة منهجية للتحقّق من متانة الدراسات والمعلومات والاستنتاجات، عبر أساليب علميّة ورياضية دقيقة. ونشر تفاصيل الاختبار في كتابAnalog Mixed Signal Test الذي صدر عن دار «برنتيس هال» Prentice Hall في عام 1998. ويخصّص سلماني جانباً كبيراً من جهده للمؤتمرات العلميّة الدوليّة. ففي عام 2001، أسّس ورشة عمل دوليّة للاختبارات اللاسلكيّة، وترأسّها حتى عام 2010. ومنذ عام 2002، يتولّى منصب منسّق «برنامج ترددات الراديو» ضمن «المؤتمر الدولي لاختبار التردّدات». وفي 2012، قدّم سلماني مداخلة أساسيّة في «المؤتمر العالمي للإلكترونيّات الدقيقة» الذي نظّمه «معهد المهندسين الكهربائيين والإلكترونيّين» («آي إي إي إي» IEEE)، حملت عنوان «التطوّرالسريع في منتجات الخليوي وتحديات نظام تردّدات الراديو». كما شارك في حلقة عمل دوليّة في شأن التحقّق من الدوائر التناظرية العالية السرعة. وبين عامي 2001 و2010، ترأسّ سلماني مجموعة من ورش العمل في مؤسسة «آي إي إي إي». كما اشتغل في عدد من اللجان ضمن «الهيئة التكنولوجيّة العالميّة لأشباه الموصِلات». وبين عامي 1994 و1999، كان عضواً في اللجنة التنفيذية ل «مركز البحوث الاستراتيجيّة» في مونتريال، فشارك في تقويم بحوثها واختيار أعضائها الجدد. ويعتزم سلماني تنظيم مؤتمر عالمي في الجزائر قبل نهاية العام الجاري، تحت رعاية مؤسسة «آي إي إي إي». ويتناول المؤتمر مسألة تصميم الأجهزة الإلكترونيّة للاتّصالات، وطرق اختبارها، مع التركيز على أهمية أشباه الموصِلات («سيمي كوندكتورز» Semi Conductors) بوصفها ركناً أساسيّاً في صناعة أجهزة المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة. رؤية للاتّصالات اللاسلكيّة في حواره مع «الحياة»، شدّد سلماني على البُعد التجاري للاتّصالات اللاسلكيّة، إذ رأى أن تنافس الشركات الكبرى يخدم استجلاب الاختراعات والابتكارات، إضافة إلى استثمارها صناعيّاً وتسويقها تجاريّاً، ومنحها مواصفات تنافسيّة كالسرعة في إرسال وتلقى البيانات على اختلاف أحجامها، والقدرة على التقاط ذبذبات متنوّعة في مجال موجات الراديو. ويعتقد سلماني بأن دوافع الابتكار تشمل أهمية منتجات الاتّصالات اللاسلكيّة التي تعتبر المجال الأسرع في النمو ضمن صناعة أشباه الموصلات. كما ركّز على أهمية تطوير الأفكار الجديدة التي لا يترجم نجاحها الا عبر تحوّلها أشياء قابلة للانتاج والتسويق، إضافة الى تمتّعها بالجودة العالية ومراعاتها عنصر الكلفة أيضاً. ولفت إلى أن اتساع نطاق التردّدات التي يفترض أن تتعامل معها أجهزة الاتصالات، يمثّل تحدّياً تكنولوجيّاً رئيسياً. وضرب مثلاً على ذلك بأن الهواتف الذكيّة التي تتعامل مع شبكات الجيل الخامس للخليوي، يجب عليها أيضاً أن تستمر في التعامل مع تردّدات الراديو في الشبكات السابقة عليها، بمعنى أنها تعمل بين تردّدي 02 غيغاهيرتز و90 غيغاهيرتز. وفي المقابل، يجب ألاّ تباع الهواتف الذكيّة المتقدّمة بأسعار تجعلها خارج متناول الشرائح الواسعة من الجمهور. وفي ذلك السياق، لفت سلماني إلى أن الطرق التي طوّرها في اختبار تلك الأجهزة والتحقّق من خلوها من العيوب وتمتعها بجودة مرتفعة، تساهم بصورة أساسيّة في تخفيض كلفتها، وهو عنصر رئيسي في تحديد هامش من ربح المنتج اللاسلكي. واستطرد سلماني لافتاً إلى أن التقنيّات التي طوّرها تخفض تكلفة المنتج إلى قرابة عُشْر ما يكون عليه في حال استعمال طرق اخرى. وأشار إلى أن ذلك الأمر يعني أن منتجات الشركة التي يعمل في صفوفها، تحصل على ميزة تنافسيّة واضحة بالمقارنة مع نظيراتها في السوق العالمية. وأوضح سلماني أيضاً أنه ابتكر تقنيات متطوّرة في تصميم الرقاقات الإلكترونيّة اللاسلكيّة، تسهل عمليّات الكشف عن العيوب واصلاحها. وفي سياق معاينة الأعطال في الأجهزة المعطوبة، بيّن سلماني أن المعاينة تستمر على مدار الساعة، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً أنها عمليات تقنيّة معقّدة، إضافة إلى أن كلفتها تتخطى ملايين الدولارات نظراً الى أن ذلك النوع من الرقاقات ينتج بالملايين أسبوعيّاً بأثر من تصاعد الطلب باستمرار على الهواتف النقّالة. وأضاف: «يتطلّب تصنيع رقاقة إلكترونيّة متطوّرة، إجراءات للتأكّد من عدم وجود ثغرات فيها، والاطلاع على عيوب التصنيع التي ربما تحتويها، إذ يحتاج كل جزء من الخليوي إلى اختبارات تستغرق وقتاً طويلاً، مع الأخذ في الاعتبار أنها أجهزة تنتج بالملايين أسبوعيّاً. كذلك تفرض العملية عينها ضرورة استبدال المُكوّنات المعطوبة بأخرى تكون سليمة وعالية الجودة، بمعنى أن تقدر على تحمّل درجات متباينة من الحرارة والبرودة كي تستطيع العمل في ظروف طبيعيّة مختلفة».