في خضم الاندفاعة الأقوى للديبلوماسية الأميركية في المنطقة منذ تسع سنوات، أكد مساعد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للشؤون العامة فيليب كراولي ل «الحياة» أن استمرار المناخ السائد سيمهد الى «تعميق العلاقة الدفاعية بين الولاياتالمتحدة ودول المنطقة»، واصفاً ايران بأنها «أقرب الى الدولة البوليسية»، لكنه في الوقت نفسه أبدى استعداد واشنطن لأية مفاوضات معها. وفي عملية السلام، أكد المسؤول أن «ليس هناك وقت لانتظار الظروف المثالية»، وأن واشنطن تعلمت من أخطاء كمب ديفيد ومصرة على مشاركة عربية واسعة في أي عملية تفاوضية. ورسم كراولي في حديث ل «الحياة» من مكتبه في وزارة الخارجية الأميركية، صورة واقعية للتحديات والأولويات الأميركية في المنطقة، من الاستعدادات الأميركية للانسحاب من العراق وتحويل العلاقة الى الشق المدني، الى التعامل مع «التحدي المركزي» وعملية السلام التي قال إنه «تم تجاهلها بشكل أسطوري» من الإدارة السابقة لجورج بوش. وأكد كراولي الذي شغل منصب مساعد خاص للأمن القومي للرئيس السابق بيل كلينتون ويحظى بموقع قريب من كلينتون اليوم، أن تركيز الإدارة الأميركية على الدور العربي في عملية السلام والحلقة الواسعة التي أحاطها المبعوث جورج ميتشل في محادثاته (السعودية، مصر، البحرين، المغرب، تونس، الإمارات العربية المتحدة، عمان، قطر) يهدف الى تفادي الوقوع في خطأ محادثات كمب ديفيد التي اقتصرت على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. وقال كراولي: «كنت حاضراً في كمب ديفيد عام 2000 ... وندرك اليوم أن الخطأ كان في فشلنا في توظيف الطاقة الاقليمية في عملية السلام ... في اللحظة الأخيرة حاول الرئيس كلينتون الاتصال بقيادات المنطقة للمساعدة في الوصول الى خط النهاية». وتساءل: «لم نأخذ برأيهم منذ البداية، لماذا نسألهم الآن في نهاية العملية؟». وأضاف: «نؤسس (من خلال محادثات ميتشل والخطوات العربية) للعملية السياسية حتى عندما نصل الى المفاوضات يكون هناك دعم للحل، وهو ما لم يكن موجوداً منذ تسع سنوات». وفي سؤال عن التقارير عن ربط واشنطن تجميد الاستيطان بخطوات عربية للانفتاح على اسرائيل، كان كراولي واضحاً بأن الإدارة الأميركية «لا تسعى الى المقايضة أو الى نهج خطوة بدل الأخرى». وحذر من أنه «اذا كان كل طرف سينتظر الآخر لاتخاذ خطوات، فلن نصل الى عملية مفاوضات». وعن التحفظات العربية على مواقف رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، قال كراولي: «كل شعب يختار حكومته ... هناك قيادات فاجأت الكثيرين». وأضاف: «عام 1989 كنت في ألمانيا، ولم نتوقع أننا سننتهي من الحرب الباردة وسندخل في حرب الخليج التي أدت بدورها الى مؤتمري مدريد وأوسلو وخلقت عملية سلام حقيقية»، مشيراً الى أنه «لا يمكننا انتظار الظروف المثالية». وأكد المسؤول الأميركي أن تركيز الإدارة هو على «السلام الشامل وأن ميتشل يبحث (مع الأطراف) في ما إذا كنا سنمضي بمسار واحد أو مسارين اثنين أو ثلاث ... لم نقرر بعد». وأشار الى أن هناك محادثات مع الجانبين اللبناني والسوري في هذا الخصوص. وفي الملف الايراني، أكد كراولي أن حديث كلينتون عن المظلة الدفاعية هو «رسالة الى ايران بأن سعيها نحو السلاح النووي بحجة أنه سيجعلها أكثر أمناً هو أمر مطروح للجدل». وقال: «ننصح ايران بالقدوم الى مجموعة الست لإيضاح نيّاتها والوفاء بالتزاماتها ... يمكن لطهران أن تطمح لمستقبل أكثر أمناً بالاندماج في المنطقة بدل تطوير قدرة ستعزلها إقليمياً». وعن احتمال زيادة المساعدات العسكرية لدول الخليج بسبب الظروف الحالية، قال كراولي إن «نسبة التعاون بين الولاياتالمتحدة ودول المنطقة تعمقت لأسباب عدة في السنوات ال25 الماضية»، وأن ايران هي من ضمن هذه الأسباب كما «كان العراق» (نظام صدام حسين). وزاد: «طورنا علاقات عسكرية مع العديد من الدول، بينها دول مجلس التعاون الخليجي، وإذا استكمل المسار الحالي للأمور، فسيتعمق هذا التعاون الدفاعي بشكل أكبر». ورفض كراولي تحديد مهلة زمنية لانتظار الرد الايراني على عرض الانخراط في عملية المفاوضات، وقال: «مستعدون للانخراط مع ايران بأشكال عدة ... ايران تقرر شكل المحادثات اذا كانت متعددة الأطراف أو ثنائية». وعن التطورات في الساحة الإيرانية، قال كراولي ان «ايران في صراع مع نفسها اليوم، لأن شعبها شاب ولديه طموحات و(في المقابل) يرى أن الدولة أضحت أقرب الى دولة بوليسية». وكرر موقف واشنطن المؤيد لحق تطوير ايران طاقة سلمية، وأشار الى أن إجابة طهران عن أسئلة دول مجموعة الست والوكالة الدولية للطاقة الذرية «سيمهد للبحث عن طريقة للسماح لها بتطوير طاقة نووية سلمية تحت الضمانات الدولية».