تنوعت الرسائل المتضمنة في عروض مهرجان مسرح الهواة الأردني في دورته الثالثة، التي نظمتها مديرية المسرح والفنون في وزارة الثقافة على مسرح أسامة المشيني في جبل اللويبدة بالتعاون مع نقابة الفنانين الأردنيين، لكن التظاهرة انطوت أيضاً على مفارقات جديرة بالتناول. ففي ما بدا سابقة، شهد المهرجان مشاركة شخص من ذوي الإعاقة البصرية، هو منور السالم من محافظة البلقاء، مخرجاً مسرحية «بائع الأقنعة» للكاتب حكمت النوايسة. وعن اجتيازه التحدي البصري، يقول السالم ل «الحياة» ان «من يملك مخزوناً من طاقة الحب الخلاقة، لا يعجز عن اجتراح الإنجاز». ويعتبر السالم مسرحيته «واقعيةً» لجهة رصدها المشاكل والتحديات الاجتماعية، المحلية والعربية على السواء: «حاولتُ تجسيد أفكار الكاتب التي تحمل قضايا مجتمعاتنا وهمومها، وتتمثل في البطالة والجوع والفقر والاضطرابات السياسية». أما المخرج وليد الجيزاوي فانشغل، في مسرحيته «المحطة»، الآتية من محافظة إربد وألّفها رياض طبيشات، بتناول رسائل وجودية عبر الشكل المسرحي. إذ وظّف تقنية الانتظار كذريعة لبداية حوار بين شخصيتين، ما يقارب التقنية المتّبعة في نص صموئيل بيكيت «في انتظار غودو». أما مسرحية «هي أُمي» (محافظة الزرقاء)، تأليف وإخراج جلال رشدي، فأعادت الاعتبار إلى الصراع النفسي والمدرسة السيكولوجية في جماليات الفضاء المسرحي، عبر رصد الحالة النفسية وتتبّع أثرها في الأحداث الدرامية. واستنطقت المشاهد واللوحات هواجس إنسانية بفعل تساؤلات حول المستقبل، من زاوية أن خياراته المفعمة بالتفاؤل تبدو كأنها مبالغة، في ظل التحديات المعاشة. وتناولت مسرحية «سيراميك» (محافظة العاصمة) اضطراب الرؤية حيال ما يسمّى «الفوضى المنظمة أو الخلاّقة»، التي تسببت بتغيرات جذرية في معالم الجغرافيا السياسية العربية، مستغلّةً تداعيات «الربيع العربي». كما تعرّج المسرحية على الملف المسكوت عنه في الأردن، المتمثل في العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين من أصل فلسطيني، خصوصاً الذين لا يحملون رقماً وطنياً. فتأسس العرض على حوار بين شخصيتين، حول العنف الجامعي وانتشار التظاهرات والاعتصامات، إضافة إلى الحدث السوري. أما «أهلين انتخابات» (محافظة عجلون)، فتهجو العنف المجتمعي. وذهبت رؤية المخرج منيب القضاة إلى توظيف المهارات في التمثيل في تجسيد التظاهرات والخلافات بين المواطنين عشية الانتخابات البلدية. لكن المفارقة في هذه المسرحية، أن الممثلة الوحيدة فيها جاءت من عمّان، لأن العائلات في عجلون «محافِظة جداً» بحسب المخرج الذي يقول إنه لم يوفَّق في إشراك امرأة من المحافظة. والمفارقة الأخرى أن جُلّ الجمهور استقلّ حافلات من محافظة عجلون، «لأن المهرجان يشكو قلة الجمهور، وكان لا بد من جلب جمهورنا المشجع لنا»، كما يقول المخرج. وعلى رغم الجهود المبذولة، لا سيما الإعلامية منها، غاب الجمهور عن معظم أحداث المهرجان. وعن الاكتفاء بنقل المسرحيات إلى العاصمة، بدلاً من عرضها في المحافظات لترسيخ حالة ثقافية هناك، يقول مدير المسرح والفنون في وزارة الثقافة عبد الكريم الجراح إن «الهدف من ذلك تعزيز خبرة المشاركين من الهواة، إضافة إلى دعم المسرح في المحافظات». وثمة من يردّ ظاهرة غياب الجمهور إلى انطلاق المسرح من المدينةالغربية، وأنه مغاير للمسرح الذي يحاكي التقاليد الريفية والبدوية في المجتمعات العربية، أو أن هذا المسرح لا يتطابق والشكل الذي ينادي به الاحتفاليون العرب. لكن هذا التحليل قد لا يصمد أمام حقيقة أن المسرح اليومي الكوميدي، تمتلئ مقاعده يومياً بالمشاهدين، في غالبية العواصم العربية. وعلى رغم أن عروض مسرح الهواة بدت لافتة لجهة تناول قضايا ساخنة في الحياة السياسية والاجتماعية الأردنية والعربية، إلا أن الطالب الجامعي سمير حسن يرى، في حديث إلى «الحياة»، أن هذا غير كافٍ لجذب الجمهور، لأنه يستطيع أن يجد ذلك في مقالة أو كتاب، «فالمهم هو حضور جماليات المسرح التي تُطرح رسائل العروض بواسطتها». وبحسب الجراح، ستقام ندوة متخصصة، بمشاركة مسرحيين ومهتمين في الأيام القليلة المقبلة، لتقييم التجربة، للبناء على الإيجابيات.