كان سعيد يتقن لعبة الاختفاء وتضليل الشبيحة في شوارع حمص تفادياً لاعتقاله بعد كل تظاهرة يشارك فيها. يتلفت سعيد يمنة ويسرة، لكن هذه المرة وهو يقف في احد شوارع مدينة اربد الأردنية (80 كلم شمال العاصمة عمان) التي لجأ إليها قبل شهرين، موظفاً دربته في هذا المجال في حمص ليتوارى عن موظفي البلدية الذين يفتشون عن تصاريح العمل ويصادرون البسطات. ويزعم سعيد انه استطاع النجاح في عمليات الكر والفر هذه حتى الآن بأقل الخسائر، فلم يفقد سوى «بسطة» واحدة منذ أن افترش ركناً لا يتجاوز المترين من رصيف شارع بغداد وسط المدينة ببعض ألعاب الأطفال التي احضرها من محله في حمص قبل رحيله. ويقول سعيد إن ما يساعده على سرعة الاختفاء هو أن بضاعته قليلة يبسطها على مفرش من القماش سرعان ما يتحول إلى «كيس»، مضيفاً أن ما يجبره على هذا العناء هو نفاد المال الذي جمعه طوال عمره في الإنفاق على أسرته في مدينة لا تعرف أسعارها الرحمة. وحال سعيد لا تختلف كثيراً عن حال محمد خيرو الذي فقد كل ما يملك في درعا بعد أن دمر محله التجاري وسط المدينة واتخذ الشبيحة من بيته نقطة أمنية، ما اضطره إلى مغادرة بلده بحثاً عن الأمن ولقمة الخبز. ويشير إلى أنه عاد للعمل في مهنة احترفها مطلع شبابه في بناء الحجر، إلا انه لا يهنأ كما يقول بيوم واحد من دون أن يهرب أو أن يتخفى من مفتشي وزارة العمل الأردنية. فهو لا يملك تصريح عمل كما انه دخل إلى الأردن بطريقة غير شرعية، بعد أن لجأ إلى أقاربه في مدينة الرمثا الأردنية على الحدود مع سورية. وتشترك عائلات مدينتي الرمثا الأردنية ودرعا السورية بصلات القربى والنسب، اضافة إلى علاقات تجارية تقوم على التهريب ويمتهنها من يحلو للرماثنة والدرعاوية تسميتهم «البحارة». وعلى زاوية احد الشوارع المحاذية لبلدية إربد الكبرى، حيث اعتاد الباحثون عن عمل في مجالي الزراعة وورش البناء الجلوس، ينتظر السوري محمد ( 27 سنة) من يقبل عليه طالباً تشغيله في احد الأعمال. ويقول محمد وهو فني في مجال «القصارة» أن أجرته اليومية تتراوح بين 20 – 30 ديناراً (35 إلى 50 دولاراً تقريباً) في حال حصل على فرصة عمل، لافتاً إلى أن عملة يبدأ من الساعة التاسعة صباحاً ولغاية السادسة مساء، إلا انه وفي كثير من الأحيان يبقى من دون عمل جراء كثرة العمالة في الأردن. وتصطدم محاولات البحث عن عمل من قبل اللاجئين السوريين في معظم المدن الأردنية بحملات الأجهزة المعنية بين الفينة والأخرى، وسط آمال بأن تسمح هذه الجهات لهم بالعمل في المحافظة من اجل الإيفاء بالتزامات أسرهم التي دخلت إلى الأردن بطريقة غير شرعية ولم تدرج أسماؤها ضمن لوائح اللجوء. عامر (25 سنة) سوري آخر يعمل في محطة غسيل السيارات في مدينة إربد، أشار إلى أن ضيق الحال وعدم وجود مساعدات كافية للأسر السورية اللاجئة دفعت به إلى البحث عن فرصة عمل إضافية. وأضاف أنه دخل إلى الأردن عبر الشبك الحدودي هرباً من الأحداث التي تشهدها بلاده، لافتاً إلى أنه اضطر إلى العمل بأجر متواضع لتامين لقمة العيش لأسرته المكونة من 5 أفراد وتقطن في الرمثا. ويعمل السوريون في محافظة اربد في العديد من المهن التي يعزف عنها العامل الأردني والمتمثلة بورش البناء ومحطات غسيل السيارات والمطاعم ومحطات بيع الوقود. وأصبح سوق اربد وأماكن تجمع العمالة الوافدة تعج بالسوريين مقابل انخفاض أعداد المصريين بشكل ملموس في الآونة الأخيرة، في ظل تدني أجرة العامل السوري. وباتت العمالة الأردنية مهددة بالطرد من أعمالها نتيجة وفرة العمالة الوافدة السورية وقدرتها على العمل بشتى المجالات بأجور متدنية. ويشير المواطن الأردني محمد سلامة الذي يعمل في مجال «التبليط»، إلى انه عاطل من العمل منذ أكثر من شهرين فالسوريون كما يقول «لهم الأولوية في العمل، فهم يطلبون ربع القيمة التي نتقاضاها والتي لا تكفي لتسديد فواتير الكهرباء والمياه وأجرة المنزل ومتطلبات الأسرة». ويشاركه الرأي المواطن الأردني احمد بني عطا ويعمل في مجال طلاء الجدران، ويقول ساخراً من الأوضاع: «أنا معلم طلاء ويوجد مثلي العشرات في شتى المجالات لم نعمل منذ أكثر من شهر بينما العمال الوافدون يعملون... هذا الوضع مؤلم جداً». وكانت وزارة العمل بدأت قبل نحو شهرين تنفيذ الحملة التفتيشية الأمنية المشتركة في أنحاء المملكة لضبط العمالة الوافدة المخالفة لقانون العمل. وتأتي الحملة بعد انتهاء مهلة تصويب الأوضاع التي منحت للعمال الوافدين وأصحاب العمل، حيث سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين. وأكد مصدر أمني مسؤول في شرطة اربد ضبط العشرات من العمال السوريين يعملون بطريقة مخالفة، مشيراً إلى انهم وقعوا على كفالات وتعهدات بعدم العمل قبل إخلاء سبيلهم. وبحسب مصدر في مديرية عمل اربد طلب عدم ذكر أسمة فإن وزارة العمل تتعامل مع الوافدين السوريين من منطلق إنساني، موضحاً أن الوافد السوري ممنوع عمله قانونياً كلاجئ. ويوجد في محافظة اربد حوالى 5 آلاف عائلة سورية من ضمنها نسبة عالية من الشباب الذين يلجأون إلى العمل بطرق غير قانونية في المطاعم والمصانع والمزارع.