عاد التشاؤم ليخيّم على قطاع الصحف الأميركية، بعد تخلّي اتّحادات شركات إعلاميّة عن امتيازات الطباعة لديها، واتّخاذ ثلاث مجموعات إعلاميّة عملاقة، هي: «غانيت»، و»تريبيون»، و»إي دبليو سكريبس»، التي بدأت مسيرتها بإصدار الصحف قبل أن توسّع نشاطها إلى التلفزيون ووسائل الإعلام الإلكترونيّة، قرار «التخلّي عن أملاكها هذه وكأنّها أخبار بائدة»، كما كتب ديفيد كار في صحيفة «نيويورك تايمز». وكان روبرت موردوك أوّل من أطلق هذا التوجّه السنة الماضية، بعد أن تخلّص من الصحف في اتّحاد الشركات التابعة له. تطاول الخسائر الماليّة عشرين من أصل خمسين صحيفة أميركية رائدة. وبسبب الخسائر، اضطرّت صحيفة «نيوزويك» الأسبوعيّة إلى إيقاف نسختها الورقيّة في كانون الأول (ديسمبر) 2012، بعد ثمانين عاماً من تأسيسها (في العام 1933). وتراجعت مستويات انتشار الصحيفة المذكورة من 4 ملايين نسخة في 2003 إلى 1.5 مليون نسخة في 2010، في حين شهدت عائداتها الإعلانيّة انهياراً أكبر حتّى، ما حثّ «واشنطن بوست» على بيع الصحيفة الأسبوعيّة لرجل الأعمال الأميركي سيدني هارمان في العام 2010، مقابل مبلغ رمزيّ قدره دولار واحد، فدمجها هذا الأخير بإصداره الإلكتروني «ديلي بيست». وفي كانون الأول (ديسمبر) 2012، توقّف إصدار طبعة «نيوزويك» الورقيّة، وتحوّلت إلى إصدار رقمي. وفي آب (أغسطس) 2013 ، بيعت «نيوزويك» مجدداً لمجموعة «أي بي تي ميديا»، التي قرّرت معاودة إصدار النسخة الورقية من الصحيفة في آذار (مارس) 2014. وفي آب (أغسطس) 2013، أقدمت «واشنطن بوست»– مع جيف بيزوس، مؤسس «أمازون» – على شراء صانعة الآراء الوطنيّة هذه مقابل 250 مليون دولار عدّاً ونقداً. تعرف أوروبا وضعاً مماثلاً، إذ تراجع انتشار صحيفة «لوموند» الفرنسيّة في غضون عشر سنوات من 400 ألف نسخة يومياً إلى نحو 330 ألف نسخة، في حين أُنقِذت صحيفة «ليبيراسيون» من الإفلاس بفضل استثمارات رأسمالية باستعمال أموال خاصّة، من بينها أموال إدوار دي روتشيلد. وفي بريطانيا، أظهرت دراسة صدرت في تموز (يوليو) الماضي أنّ سوق الصحف يشهد تراجعاً سنوياً نسبته 8 في المئة. كما أنّ عدداً من الصحف الكبرى عرف تراجعاً حاداً في المبيعات خلال فترة الاثني عشر شهراً الماضية، بما بلغت نسبته 5.9 في المئة لصحيفة «دايلي تيليغراف»، و13 في المئة لصحيفة «ذي إندبندنت»، و14.6 في المئة لصحيفة «فاينانشال تايمز». وحتّى في سويسرا الثريّة، راحت الصحف تتهاوى وكأنّها أوراق الخريف. وخلال العقدين المنصرمين، كانت مدينة جنيف شاهدة على اختفاء صحيفة «لا سويس» اليومية، وعلى دمج صحيفتَي «جورنال دي جنيف» و»لي نوفو كوتيديان»، لتنشأ صحيفة «لو تان»، التي تتكبّد الآن الخسائر، ويبقى كيانها مهدداً. ويتواصل تراجع قطاع الصحف، الذي بدأ منذ وقت طويل، ويبدو أنّ النهاية باتت قريبة. وقد سبق أن أعلن البعض أننا نشاهد موتاً بطيئاً لقطاع الصحف، وأننا نختبر «نهاية الأخبار»، ما يفرض تحدياً كبيراً على مجالَي إنتاج الأخبار والصحافة، وعلى التوازن السياسي في المجتمعات المبنية وفقاً للنموذج الغربي، أي الديموقراطيات المستندة إلى السوق. تكثر أسباب تدهور قطاع الصحف، بما يشمل سببين غالباً ما يرد ذكرهما: فيسود كلام عن تراجع عدد القرّاء، وبالتالي المبيعات على المدى الطويل، وعن انخفاض دخل الإعلانات بسبب منافسة وسائل الإعلام الرقميّة، وأزمة العام 2008 وارتداداتها. واليوم، ما عاد الشبّان يقرأون الصحف، بل باتوا يتصفحون الإنترنت، وهو أهمّ سبب لاستمرار تراجع أرقام المبيعات، ولانخفاض مستويات انتشار الصحف المطبوعة عموماً. وخلال السنوات الخمسين الماضية، كانت الصحف تباع بجزء من تكاليف إنتاجها، لأنها باعت الإعلانات إلى قطاع الإعلان. وقد انتقل هذا الواقع لاحقاً إلى وسائل الإعلام الرقمية. فثمّة مساحات إعلانيّة ارتبطت إلى حدّ كبير بالصحف المطبوعة منذ 10 أو 15 عاماً، وباتت اليوم تعتمد كلياً على الإنترنت، بما يشمل مثلاً إعلانات الوظائف أو الإعلانات عقارية. وكانت الإعلانات تمثّل نسبة 60 في المئة إلى 80 في المئة من العائدات الإجمالية. وفي الولاياتالمتحدة، تراجعت عائدات الإعلانات في الصحافة المكتوبة من 65.8 بليون دولار في العام 2000، إلى ما لا يزيد عن 17.3 بليون دولار في العام 2013. وبالتالي، أدّى تراجع الإعلانات إلى تأذّي قطاع الصحف أكثر من غيره. والصحف المطبوعة لم تتراجع في كل مكان. ففي روسيا، وبعد انهيار سريع شهده القطاع في منتصف تسعينات القرن العشرين، عاد الاستقرار ليسود، وإن لم يشهد القطاع الازدهار الذي كان ينعم به في سنوات البيريسترويكا. وتبقى الصحافة اليوم خاضعة للرقابة الحكومية الصارمة، شأنها شأن الإعلام الإلكتروني. ولكن في دول كالصين، ولا سيّما الهند، يتّسع قطاع الصحف بسرعة، ويتّصف بتناقضات خاصّة به ومثيرة للاهتمام.