أكد الشاعر والناقد محمد الحرز أن كتاب قصيدة النثر وقعوا في «مآزق عدة»، مشيرا إلى أن من هذه المآزق الغموض، «وهناك الغموض الواضح المصحوب بالإشارات المعينة على فهم النص، وهناك الغموض الناشئ عن ضعف الخبرة بمختبر اللغة، يجب أن تكون الفكرة متوازية مع اللغة». جاء ذلك رداً على سؤال من الشاعر هادي رسول، في أمسية شعرية وحوارية ضيفها الحرز، حول عما يعيبه الحداثيون على العموديين من وقوع في النظمية في مقابل وقوع كتاب قصيدة النثر في طغيان الفكر على الشعر فيما يعتبر نظمية جديدة. وكانت «جماعة حواف الإبداعية» في مدينة الدمام نظمت أخيرا أمسية للشاعر والناقد محمد الحرز، بدأها بقصيدة "البرتقالة"، ومنها: «لماذا تفكر هذه البرتقالة بالطريقة التي أفكر فيها.. ما إن أمسك بالسكين لأبدأ بتقطيعها حتى تنحرف عنها قليلاً فتصاب أطراف أصابعي بجرح غائر.. ما إن أضعها بكلتا يدي لأبدأ بتقشيرها حتى أفطن إلى أن أظافري ليست طويلة بما يكفي لأفعل ذلك.. ما إن أصنع منها عصيراً وأهديه إلى حبيبتي حتى أتفاجأ في اليوم التالي أنها أصيبت بحموضة في المعدة...». وكان الشاعر عبدالله الهميلي الذي أدار الأمسية قدم مسيرة الشاعر وملامح مراحله الشعرية، وتحدث عن أسلوبه الفكري والنقدي، إضافة إلى إدارته للحوار وطرحه العديد من الأسئلة على الضيف. كما ألقى الحرز العديد من القصائد الحديثة له، مثل «الحمى، أخطائي، البرتقالة، الطائر، أقول لها، خيبة»، وجاء في نص «خيبة»: «خيبتك الوحيدة/ جاءت بعد محاولات فاشلة/ للتقرب من النساء/ أنت لم تتيقّن/ إذا ما كانت أمك إحداهن/ إذا ما كان خجلك الموروث منها/ أوقعك في حفرة غيابهن/ إذا ما كانت أسماؤهن هربت من بيتك/ بعدما شب حريق في ذاكرتك/ إذا ما كان كلامك عنهن/ صدمته شاحنة وهو في الطريق إليك...». وتطرق الحرز إلى أسلوب كتابة المقال النقدي والفكري، والتي كانت تتضمن «انتزاع النظريات من سياقها» والفرح بتضمين نصوص لكتاب غربيين «من دون أن نعي أن هذا الاقتباس لم يكن يجدي ويلبس كتاباتنا نوعاً من الغموض ويسبب نوعاً من الحجب بيينا وبين القراء». وأضاف: «وعيت في ما بعد ضرورة (تطوير الأسلوب) كمن يزيح الغبار عن نفسه»، معللاً أن الاستعجال في الظهور «أهم الأسباب التي تدفع بالكاتب للاقتباس، وأن هشاشة الموهبة تجعل من الكاتب انتهاج هذا الأسلوب». كما أرجع السبب في الحوار الذي شهد العديد من المناقشة في القضايا التي تمس هموم الكاتب على صعيد الفكر واللغة، في عدم وجود قراء لبعض الكتاب، بسبب تكرارهم لأنفسهم أو بسبب غموضهم، داعياً إلى إعادة النظر في طريقة الكتابة. وقال في الأمسية التي شهدت معرضاً فنياً للفنان الشاب محمد المؤمن: «الآن أحذر من الاستعانة بالنظريات من دون استيعابها»، مبيناً أن الاستيعاب أن تشرح النظرية في سطرين أو ثلاثة، وهذا صعب جداً خصوصاً في الفكر الغربي وتلوناته. وفي حديثه مع «الحياة» أشار الحرز إلى أهمية الأمسيات والملتقيات التي وصفها ب«احتفاء بالحياة وفرح لا يدانيه أي فرح لا يتوقف على المناسبات، وحضوره ضرورة للناس»، داعياً إلى الاحتفاء بالشعر في دائرة حياتنا اليومية بكل تفاصيلها الصغيرة فالشعر يدفق في عروقنا الحياة، بحسب وصفه. وتضمنت الأمسية قراءة ورقة في ديوان الحرز الأخير «سياج أقصر من الرغبات» للقاص والكاتب زكريا العبّاد جاء فيها: «يجمع الديوان بين دفتيه نصوصاً قصيرة جداً تشي بقدرة بالغة على الحذف، وقدرة لغوية على تحميل مفردات بسيطة وقليلة معان عميقة ملتبسة بالرؤى الفلسفية الكونية ولكن في إطار الحياتي المعاش، قدرة هائلة على الضغط وكأن النصوص هي أقصى ما استطاع الشاعر إفلاته إلى حيّز الوجود الضيّق من منطقة العدم والصمت التي تمور فيها الحكمة والرؤى البالغة الاتساع». وتابع العباد: «في نص "أيها الرائي" يلمح القارئ معالم صراع في منعطف تحولي بين تطلعات الجسد وتكوين سابق لشخصية يعبر عنها الناص في نصه بطريقة تشبه النبز ب"أيها الرائي"، وكأنها شخصية قائمة على مجرد النظر لا الجس، وهي ما يعلن الناص الرغبة في التخلص منها حين يقول: "لا تدع جسدك يعشب بعيداً عنك"، وكأن ثمة انفصام وصراع بين شخصيتين منفصلتين للجسد والروح، ورغبة ملحة في توحيدهما».