يتسارع العمل لترميم «طريق الكباش» الفرعوني، الذي يربط معبدي الكرنك والأقصر، وسيكون متاحاً عما قريب للسائحين السائرين بين المعبدين، تمهيداً لتحويل مدينة الأقصر إلى أكبر متحف مفتوح في العالم. وأعيد تفعيل المشروع أخيراً بعد توقف وارتباك في خطط تنفيذه لمدة تجاوزت العام ونصف العام، بسبب قلة الاعتمادات المالية. وبعد جهود استمرت شهوراً، بذلها مسؤولون في محافظة الأقصر ووزارتي الآثار والسياحة، تأمنت موازنة 13 مليون جنيه لاستكمال المشروع الذي يعد الأكبر في إطار خطة التنمية الشاملة للأقصر. وتصطف على جانبي «طريق الكباش» (طوله 2700 متر وعرضه 70 متراً) مئات التماثيل الأثرية الشهيرة. فقبل أكثر من خمسة آلاف عام، شقّ ملوك مصر الفرعونية في طيبة (الأقصر حالياً) طريق الكباش لتسير فيه مواكبهم المقدسة خلال احتفالات أعياد الأوبت كل عام. وكان الملك يتقدّم الموكب، تتبعه عليّة القوم، كالوزراء وكبار الكهنة ورجال الدولة، إضافة إلى الزوارق المقدسة المحمّلة بتماثيل رموز المعتقدات الدينية الفرعونية، فيما يصطف أبناء الشعب على جانبي الطريق يرقصون ويهللون في بهجة وسعادة. وبادر إلى شقّ هذا الطريق الملك امنحوتب الثالث، بالتزامن مع انطلاقة تشييد معبد الأقصر، لكن الفضل الأكبر في إنجاز «طريق الكباش» يعود إلى الملك نختنبو الأول مؤسس الأسرة الثلاثين الفرعونية (آخر أُسر عصر الفراعنة). وعلى طول الطريق، في وسع السائر التمتع برؤية 1200 تمثال، نُحت كل منها في كتلة واحدة من الحجر الرملي، وهي غالباً في هيئتين: الأولى تتخذ جسم أسد ورأس إنسان، والثانية لها جسم كبش ورأسه. علماً أن الأسد يرمز، في التاريخ الفرعوني، إلى الشمس التي قدّرها الفراعنة كثيراً، أما الكبش فيعود إلى «خنوم» - أحد الرموز الرئيسة في الديانة المصرية القديمة وهو، بحسب معتقدات ذاك الزمان، صانع الحياة. وكانت تحيط بهذه الكباش أحواض زهور ومجارٍ للمياه لريّها، ووسط التماثيل أرضية مستطيلة (120X 230 سنتيمتراً) من الحجر الرملي، وبين كل تمثال وآخر فجوة قطرها أربعة أمتار، إضافة إلى ما «دوّنته» الملكة حتشبسوت على جدران مقصورتها الحمراء في الكرنك، بأنها شيّدت سبع مقصورات خاصة بها على طول هذا الطريق. ومرت السنوات والقرون، واختفى معظم معالم هذا الطريق المقدس، ليظهر بدلاً منها بيوت ومنازل عشوائية وأراض زراعية حجبت عن الرائي الملامح التاريخية لواحد من أهم الطرق الأثرية في العالم وأجملها. ودُفنت التماثيل الفرعونية ودمرتها مياه الري والصرف الصحي التي كانت تغمر تلك الأعمال الفنية التاريخية. لكن مدينة الأقصر موعودة باستعادة حلّتها التاريخية البهية، بعد انتهاء المراحل الأخيرة لأكبر مشروع أثري في الشرق الأوسط بلغت كلفته 240 مليون جنيه مصري قدّمت كمنحة من وزارة التعاون الدولي المصرية. يذكر إن هيئة التنمية السياحية ساهمت ب7 ملايين جنيه لنقل الكابلات الهاتفية إلى مكان آخر بعيد من الطريق، وقدمت وزارة الآثار 6 ملايين جنيه لاستكمال بناء الأسوار المحيطة ب «طريق الكباش». وتسعى وزارة الآثار في الأقصر إلى افتتاح المشروع أمام السياح في موعد أقصاه أيلول (سبتمبر) المقبل، أي قبل بدء الموسم السياحي الجديد في تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام.