يتحدث مقاتلو المعارضة السورية بفخر عن اليوم الذي فرت فيه قوات موالية للرئيس بشار الأسد في دباباتها من بلدة أعزاز شمال حلب مع دخول مدنيين مسلحين ببنادق صيد الساحةَ الرئيسية في البلدة، إلا أنه بعد شهر من ذلك لا يوجد هناك شعور بالتحرر. وعلى بعد ثمانية كيلومترات على الطريق الرئيسي، ما زالت قوات الجيش تسيطر على مطار عسكري تطلق منه الصواريخ كل ليلة تقريباً على وسط أعزاز، التي فر أكثر من نصف سكانها ويرفضون العودة. وفي الاسبوع الماضي أسقطت طائرة حربية قنبلتين على حي سكني في وسط البلدة، فقتلت ما لا يقل عن 30 شخصاً. وقال الناشط الشاب أبو عماد، الذي ترك دراسة القانون في جامعة حلب للانضمام لحركة الاحتجاج: «لم نتحرر. أعتقد أنه سيتعين أن ننتظر حتى الإطاحة بالأسد». وخرج جزء كبير من شرق سورية المتاخم للعراق ومناطق شمالية مجاورة لتركيا، بل ومناطق ريفية في وسط البلاد، عن سيطرة نظام الأسد، مع تركيزه على مدن مثل حلب وحماة ودمشق. وترك هذا كثيراً من البلدات والقرى النائية في وضع مشابه لأعزاز. وتهيمن على اعزاز حالة من عدم اليقين، إذ إنها غير قادرة على مواصلة حياتها الطبيعية رغم أن الموالين للحكومة المرهوبي الجانب غير موجودين في الشوارع، التي تتراكم فيها أكوام من القمامة ومازالت المدارس مغلقة والمستشفى الرئيسي خال بعدما فر الموظفون عبر الحدود إلى تركيا على بعد نحو ثلاثة كيلومترات. وتكاد لا توجد شوارع لم تتأثر بالقصف على مدى شهور، وحطمت الانفجارات أبواب المتاجر. وجلست الأسر التي بقيت في البلدة في حالة من اللامبالاة في الظل خارج منازلها، في حين يمر مقاتل شاب من المعارضة على دراجة نارية حاملاً بندقية. وشكَّل كثير من أبناء البلدة الذين حاربوا فيها كتائب، وانتقلوا إلى الجبهة في حلب، أكبر مدن البلاد، والتي يسكنها 2.5 مليون نسمة، حيث تقاتل القوات الحكومية وحدات من المعارضة المسلحة من ضاحية إلى أخرى. وتعود جثث بعض هؤلاء على محفات إلى أعزاز، مذكرة هذه البلدة الحدودية الهادئة بأن الحرب لم تحسم بعد، وتوفي أخيراً مقاتل عمره 18 عاماً على الجبهة بعدما أصابه قناص برصاصة في الرأس. والجنازات حدثٌ معتاد هنا، ولم تظهر على وجوه زوار منزل عمار علي أي تعبيرات، حيث أخذوا ينظرون إلى جثمانه الملفوف في أغطية قبل أن يخرجوا من المنزل انتظاراً لتشييعه. وانتحبت والدته، بينما كان أقاربها يحاولون شد أزرها في حين سقط والده مغشياً عليه عندما شاهد جثمانه. وبعد لحظات، أفاق بعدما تم رش الماء على وجهه ليدرك مجدداً أنه فقد ابنه. وفي المقبرة، تحرك الرجال كما لو كانوا أجهزة آلية لدفن عمار. وتم حفر عدة قبور، استعداداً لاستقبال مزيد من القتلى، وهو ما يبدو حتمياً، وكان طول بعضها لا يزيد عن أربعة أقدام فقط، وقال أحد المارة: «هذه للرضع». ولا يصل عبر الحدود إلى أعزاز إلا القليل من الغذاء، ولا يوجد ما يشير إلى وصول المساعدات الدولية إلى هنا، ويقول السكان إن الامدادات بدأت تنفد. ويقولون إن أصعب ما يمكنهم الحصول عليه هو حليب الأطفال. وتنظم المساجد توزيع الرز والمعكرونة والحمص على الأسر هنا، لكنهم يقولون إنه لا يوجد ما يكفي. ويقول المقاتلون المعارضون إن كل اسلحتهم وذخائرهم استولوا عليها من قوات الأسد خلال معارك. وقال القائد في المعارضة المسلحة أبو مصعب السوري، قبل فترة وجيزة من مرور صاروخ فوق البيت الريفي الذي يقيم فيه وسقوطه في أعزاز: «لم نحصل على ليرة واحدة من الخارج».