هل يعقل أن سكان بلد تصل موازنته السنوية إلى 100 بليون دولار يحصلون يومياً على ما متوسطه ثماني ساعات من الكهرباء غير المستقرة؟ بداية لا بد من التأكيد أن المسؤولين عن هذا القطاع في العراق يجب أن يكشفوا حجم العجز الحقيقي فيه والتعامل مع المشكلة كمسألة مصيرية، إذ لن تحصل تنمية أو استثمار أو إعمار من دون كهرباء، وستبقى المشكلات الخدمية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية لسنين طويلة مقبلة من دون حل بل وستتفاقم بسبب الزيادة السكانية والأساليب البالية السائدة للمعالجة. مثلاً، اختارت إدارة قطاع الطاقة التقنية الخاطئة بالنسبة إلى نوع الوقود الذي يستخدَم ويحرَق في التوربينات الغازية إذ اعتمدت الوقود الثقيل وليس الغاز الطبيعي، الذي يخطَّط لتصديره في حين لا يستطيع العراق تلبية حتى احتياجات المحطات الغازية وإمدادها بالغاز،علماً أن أكلاف توليد الكهرباء في العراق باستخدام الوقود الثقيل في الوحدات الغازية تعادل 15 ضعفاً أكلاف إنتاجه باستخدام الغاز الطبيعي. وأقرت وزارة الكهرباء بعدم جدوى تشغيل المحطات الغازية بالوقود الثقيل لأسباب فنية واقتصادية، وذكرت أن وزارة النفط لم تلبِّ احتياجات وزارة الكهرباء من الغاز الطبيعي أو الوقود الخفيف ما اضطرها إلى تحوير المحطات للعمل على الوقود الثقيل على رغم أن ذلك أدى إلى تحجيم قدرات هذه المحطات إلى نصف سعاتها التصميمية. تتكون المنظومة الكهربائية الحالية في العراق من محطات بخارية رئيسة عددها ثماني محطات بطاقة إجمالية مقدارها خمسة آلاف و500 ميغاواط و26 محطة غازية بقدره إجمالية تصميمية تزيد بقليل عن خمسة آلاف و600 ميغاواط، بالإضافة إلى ثماني محطات كهرومائية بسعة إجمالية تصميمية مقدارها ألفان و485 ميغاواط وتسع وحدات ديزل يبلغ مجموع طاقاتها الإجمالية المشغلة حالياً 730 ميغاواط. وتوجد محطات تعود إلى دوائر أخرى أو للقطاع الخاص بسعات إجمالية قد تزيد عن ألف ميغاواط. لكن الطاقات المتاحة فعلياً من المحطات البخارية والغازية والكهرومائية ومحطات الديزل تقل كثيراً عن هذه الأرقام. فالإنتاج الكلي للمحطات الكهرومائية، مثلاً، لا يتجاوز مجموعه 300 ميغاواط لانخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات. وثمة نية لإنشاء 24 محطة غازية جديدة بسعة إجمالية تزيد عن 12 ألفاً و500 ميغاواط وست محطات بخارية بطاقة إجمالية تزيد عن سبعة آلاف ميغاواط وثلاث وحدات ديزل بسعة 400 ميغاواط، بالإضافة إلى وحدات سريعة التشغيل بطاقة 335 ميغاواط ومحطة كهرومائية في سد العظيم بسعة 2X13 ميغاواط ليزيد مجموع السعات الكلية المستقبلية عن 20 ألفاً و500 ميغاواط، علماً أن معظم محطات التوليد مرتبطة ببعضها بعضاً بخطوط نقل رئيسة 400 كيلوفولت و132 كيلوفولت. وتتغذى الشبكة في شكل أساسي من محطات تحويل ثانوية 132/33/11 كيلوفولت، و33/11 كيلوفولت، و11/0.4كيلوفولت. ويذكر أن العراق يعاني نقصاً حاداً في الطاقة الكهربائية منذ بداية 1990، وازدادت ساعات تقنين التيار الكهربائي عام 2003 في بغداد والمحافظات بسبب قدم كثير من المحطات بالإضافة إلى عمليات التخريب التي تعرضت لها المنشآت خلال السنوات الماضية. ولتلافي هذا النقص الحاد في الطاقة الكهربائية، تشمل خطط وزارة الكهرباء بناء 29 محطة لتوليد الكهرباء تعمل على الغاز، وتحويل عدد آخر من المحطات التي تعمل بواسطة الوقود السائل لتعمل على الغاز وبناء خطوط جديدة للنقل. وأكد تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية منتصف 2011 أن مجموع الطاقات المجهزة عن مختلف المصادر كانت 120 ألف ميغاواط - ساعة أي 5000 ميغاواط. وهذا يشمل إنتاج المنظومة الوطنية إضافة إلى الكهرباء المستوردة من إيران وتركيا والمؤمّنة من محطات التوليد الخاصة في إقليم كردستان. أما بحسب أرقام حكومية صادرة عن لجنة الطاقة البرلمانية في 25 تموز (يوليو) 2011، تبلغ طاقة العراق المتاحة نحو سبعة آلاف ميغاواط فيما يقدَّر الطلب بما يصل إلى 14 ألف ميغاواط خلال الصيف. وتوقع فريق إعمار بغداد التابع للسفارة الأميركية في بغداد أن يرتفع إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق بحلول عام 2014 إلى 22 ألف ميغاواط مبيناً أن حاجة العراق الحالية للطاقة تبلغ تسعة آلاف و500 ميغاواط. وأشارت توقعات قدمتها شركة «بارسننز برينكيموهوف» الاستشارية ووزارة الكهرباء العراقية في مؤتمر إسطنبول في أوائل عام 2011، إلى أن العراق سيغطي كامل احتياجاته في 2013 - 2014، وفي هذه الصدد أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن اتفاقات مع شركات أميركية وألمانية وغيرها على تزويد العراق بأكثر من 13 ألف ميغاواط، «ستحسم» مشكلة الكهرباء في غضون سنة أو سنتين. وكان نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني وعد بحل أزمة الكهرباء نهائياً خلال سنتين، مؤكداً أن وزارة الكهرباء وقعت عقوداً مع شركات عالمية لمد العراق بأكثر من تسعة آلاف ميغاواط من الطاقة. واعترف في تصريح آخر بأن غالبية العقود الموقعة من قبل وزارة الكهرباء أخيراً هي «أخطاء مركبة من الوزارة لأنها نصت على شراء المعدات من دون الاتفاق على تركيبها». وأكد الوزير السابق للكهرباء كريم وحيد «أن أزمة نقص الكهرباء في البلاد ستنتهي عام 2011 وسيحصل المواطن على الكهرباء ل 24 ساعة يومياً من دون أي انقطاع. وسيكون عام 2011 عام الحسم بالنسبة إلى قطاع الكهرباء». وصدرت تصريحات أخرى لمسؤولين يناقض احدها الآخر وتتعلق بمواعيد انفراج الأزمة. ويذكَر أن العراق سيحتاج إلى 17 ألفاً و500 ميغاواط لتغطية فترات الذروة وتغذية المشاريع الصناعية. وبسبب ممارسات بعض المسؤولين عن إدارة قطاع الكهرباء، أهدِرت البلايين من الدولارات على وحدات بالية ووحدات معادة التأهيل لم يعمَل بها في أي منظومة كهربائية رصينة في العالم، ما أوصل العراق إلى الوضع الذي يمر به الآن فوصلت الكفاءة الحرارية لمحطات الإنتاج بالنسبة المئوية إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالبلدان الأخرى. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - بغداد