اعتاد لاجئون سوريون يعيشون «قسراً» في مخيم الزعتري شمال الأردن، على مهاجمة زيارات رسمية ينظمها مسؤولون أردنيون وغربيون لاستكشاف مخيمهم الموغل في عمق الصحراء، بسبب ما يقولون إنه «تجاهل لتردي أوضاعهم المعيشية». ويوم أمس فقط انتفض مئات اللاجئين في وجه وزيري الخارجية الأردني ناصر الجودة والفرنسي لورون فابيوس بعد زيارتهما المخيم الذي يبعد حوالى (85 كلم شمال شرقي عمان)، مرددين عبارات «الموت ولا المذلة». وحاول هؤلاء الوصول إلى الوزير الفرنسي الذي كان منشغلاً بمؤتمر صحافي على أرض مليئة بالأتربة والغبار، لكن قوات الأمن المتواجدة في المكان حالت دون ذلك. كما منعت وسائل الإعلام تصوير الوقفة الاحتجاجية التي باتت عنواناً لمظاهر قسوة وتشرد تلاحق الفارين من «الجحيم السوري». وفي ذات الإطار، أقرت وزارة الصحة الأردنية بانتشار داء السل داخل خيام بعض اللاجئين في الزعتري. وقال مدير الأمراض السارية في الوزارة خالد أبو رمان في تصريح مقتضب إلى»الحياة»: «تم الكشف عن 20 حالة مصابة بمرض السل بين صفوف اللاجئين بالمفرق، ويعالجون الآن في مراكز الأمراض الصدرية التابعة للوزارة». وجاء هذا التصريح على وقع أنباء تداولها سكان المخيم خلال زيارة ميدانية ل «الحياة» أمس، أشارت إلى وفاة طفل بسبب أزمة صدرية ناتجة من الغبار بعد نقله إلى المستشفى برفقة ذويه، لكن عاملين في المخيم لم يؤكدوا أو ينفوا صحة الوفاة. كما رصدت «الحياة» خلال جولتها الميدانية محاولات لم يكتب لها النجاح للاجئين سوريين كانوا يحاولون الفرار مع عائلاتهم إلى خارج المخيم. وعلى بعد أمتار من مقدمة المخيم كان راتب الحريري (44 سنة) يحاول اجتياز الأسلاك الشائكة برفقة زوجته وطفله الذي غطى الغبار معالم وجهه وملابسه المقطعة، لكن أفراداً من الأمن الأردني أحبطوا محاولته. وقال الحموي الذي كان حافي القدمين ويرتدي ملابس رثة غطتها حبات التراب الناعم: «كنا نعيش في درعا تحت القصف وهنا نعيش تحت المذلة.. التراب والغبار يفتكان بأجسادنا وطفلي يعاني ذبحة صدرية». وأضاف: «الحال هنا لا يمكن تحملها، فلا طعام ولا دواء ولا حتى كهرباء». وكانت السلطات الأردنية دفعت إلى المخيم بقوات درك وشرطة خلال الأيام الماضية، بعد أن لجأ العديد من السوريين إلى محاولات الهرب، بسبب حالة الإحباط والغضب التي تولدت لديهم، وهو ما قاله ل»الحياة» ممثل مفوضية اللاجئين في عمان آندرو هاربر. وعلى مسافة غير بعيدة من خيمة الحريري وعائلته، جلست فهيمة الدرعاوية (20 سنة) على حصير مهترئ، قائلة إن والدتها القادمة من بلدة طفس «تموت». وأضافت: «إنها مريضة بالسرطان، ومنذ أن هربنا إلى الأردن لم تحصل على جرعات الكيماوي. حالتها تسوء.. حاولنا الهرب ولم نوفق». وتابعت: «تمكن سكان الخيمة المجاورة من الفرار، لا أعرف إن كانوا بالمفرق أم بالرمثا، لكنهم أفضل حالاً من هنا». ويبدو أن الشعور بالألم لم يمنع أحمد أبو الشعر (38 سنة) من الفرح والابتهاج ولو لبرهة، عندما حصل على قطع بيضاء تبين لاحقاً أنها كمامات لتجنب الغبار. وقال «جئنا إلى هنا الأسبوع الماضي قادمين من دمشق، ومنذ ذلك الوقت ونحن ننتظر الحصول على كمامات.. أطفالي سيكونون سعداء بها». وتحدث باسم (35 سنة) من مدينة إدلب عن تفاصيل قاسية يعيشها لاجئو الزعتري، قائلاً بصوت حزين وهو يربت على رأس طفلته: «الطعام المقدم قليل ومذاقه غير جيد، كما أنه يوزع بطريقة غير عادلة ويتخاطفه الأقوياء ليبقى الضعفاء بلا طعام أو شراب!». وقال آخر: «نعاني نقص العلاجات ودورات المياه، هنا بالكاد نقوى على الحياة». وبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في مخيم الزعتري حتى يوم أمس 6700 من ضمنهم 3 آلاف طفل. وخلال زيارته المخيم امس، دعا وزير الخارجية الفرنسي إلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد والانتقال السياسي السريع في سورية. وقال فابيوس للصحافيين «موقف فرنسا واضح: نحن نعتبر أن بشار الأسد هو جلاد شعبه وأنه يجب أن يرحل وكلما رحل مبكراً كان ذلك افضل». وتابع «نأمل بأن تتم إقامة حكومة انتقالية بسرعة وأن تعترف بها الدول الكبرى في العالم»، معتبراً أن «هذا سوف يسرع سقوط بشار الأسد، الذي أصبح ضرورة واضحة». وتحدث فابيوس عن أوضاع اللاجئين في المخيم. وقال «إنها تشبه أوضاع اللاجئين في كل المخيمات، وهي صعبة جداً فهم يعيشون في منطقة قاحلة مغبرة»، مشيراً إلى أن زيارته ذات طابع إنساني وإنه يحمل معه اكثر من 20 ألف قناع يحمي الفم والانف والأذن من الغبار والأتربة. وفي ما يتعلق بالمعارضة السورية وبخاصة الجيش السوري الحر، قال فابيوس «نحن على اتصال مع بعض مسؤوليها، ونحن نأمل بأن يتمكنوا من تنفيذ أنشطتهم بالتنسيق مع المعارضة». وما إن شاهد اللاجئون السوريون الوزير الفرنسي يتجول بينهم حتى أوقفوه، داعين بلاده إلى مساعدتهم على القتال. وصاح محمد الحريري (51 سنة) من درعا وهو أب لعشرة أطفال موجهاً كلامه لفابيوس «نحن لسنا بحاجة لمخيمات ومساعدات، نحن بحاجة للأسلحة، اعطونا أسلحة وقذائف آر بي جي ومضادات طائرات». وأكد وزير الخارجية الأردني «الموقف الأردني الداعي إلى ضرورة وقف نزيف الدماء والعنف في سورية وضرورة إيجاد حل سياسي»، معرباً عن أمله بأن «يسود الأمن والاستقرار في سورية وأن يتمكن المواطنون السوريون المتواجدون في الأردن من العودة إلى وطنهم». من جانب آخر، حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال استقباله لفابيوس من «تداعيات الأزمة (السورية) وانعكاساتها على أمن واستقرار المنطقة بأسرها»، على ما أفاد بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني. وشدد الملك خلال اللقاء على «الموقف الأردني الداعي إلى أيجاد حل سياسي سريع للأزمة السورية يحافظ على وحدة سورية واستقلالها وتماسك شبعها، ويضع حداً لنزف الدماء وتصاعد حدة العنف». وأشار إلى «المسؤولية الجماعية للمجتمع الدولي في العمل على إنهاء الأزمة وتجنيب الشعب السوري المزيد من المعاناة». كما أكد العاهل الأردني أن بلاده ستستمر في تقديم العون والمساعدات وخدمات الإغاثة الإنسانية للاجئين السوريين الذين يفدون إلى المملكة، جراء تزايد حدة العنف في بلدهم».