على سطح برج عال، يطل على حركة هونغ كونغ الدائمة، ينصرف مزارعون إلى الاعتناء بمحاصيلهم العضوية في بستان خضار. وعلى خلفية «غابة» من ناطحات السحاب، تنتشر أحواض مليئة بالتراب على سطح المبنى المؤلف من 14 طابقاً، حيث تزرع مجموعة واسعة من المنتجات منها الخيار والبندورة. هذا أحد مواقع عدة نبتت في «أدغال» هونغ كونغ الإسمنتية، في حين يزداد الإقبال على المنتجات العضوية ويسعى السكان إلى التفلّت من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية. وتقول ميلاني لام (28 سنة)، وهي ممرضة تزور «سيتي فارم» (مزرعة المدينة) في منطقة كواري باي في جزيرة هونغ كونغ الرئيسة مرتين في الأسبوع: «أنا سعيدة لأني أستهلك أغذية أزرعها بنفسي بدلاً من شرائها من المتاجر». وتضيف: «الخضار التي أزرعها طعمها ألذ، وطازجة». ويبلغ عدد سكان هذه المنطقة، في جنوب الصين، سبعة ملايين نسمة، تقطن غالبيتهم في أبراج وناطحات سحاب. لذا تشكّل الأسطح المكان الوحيد المتاح لزراعة الخضار، شأنها شأن مدن كبرى مثل لندن ونيويورك سبقتها إلى هذا النشاط قبل سنوات. ولا تتوافر أرقام رسمية حول عدد هذه المواقع، إذ لا حاجة إلى رخصة لإقامة مزرعة من هذا النوع. إلا أن اوسبرت ليام، مؤسس «سيتي فارم»، يقول إن لديه مئة مزارع منتظم منذ افتتح مؤسسته قبل سنتين. وثمة 400 حوض للزراعة على امتداد مساحة السطح البالغة 930 متراً مربعاً، يمكن استئجاره بسعر يتراوح بين 20 و25 دولاراً في الشهر. في تو كوا وان، شرق شبه جزيرة كوولون، تقول مؤسسة «مزرعة سطح» أخرى إن المشروع أعطى دفعاً للمنطقة المهملة التي لا تتمتع بوسائل نقل جيدة وتسكنها غالبية من المسنين. وأتت تشو بوي-كوان، مع اثنين من أصدقائها، بفكرة إقامة بستان خضار على سطح مبنى من 12 طبقة، مستعينين بألواح خشبية ومواد أخرى أخذوها من ورشات بناء لإقامة أحواض للزراعة، كما أشركوا السكان المحليين قبل أن تفتح المزرعة أبوابها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وتوضح: «دعونا المسنين في المنطقة وساعدونا في طلاء الأحواض، فاستمتعوا كثيراً بوقتهم». الأحواض صاحبة الألوان الفرحة تحوي الآن السبانخ والنعناع والبازيلاء. وتظهر الأرقام الرسمية أن الأغذية العضوية تزداد شعبية في هونغ كونغ، مع ارتفاع عدد المزارع المشاركة في برنامج حكومي لتشجيع الزراعة العضوية إلى 193 في حزيران (يونيو) الماضي في مقابل 123 عام 2008. لكن، على رغم ازدياد شعبية الزراعة على أسطح هونغ كونغ، يبقى الأمل ضئيلاً في أن تنتج محاصيل كافية لتحقيق أرباح، خلافاً لنظيراتها في مدن لا تشكل المساحة فيها معضلة وتجذرت الفكرة في مجتمعاتها منذ فترة أطول. فاستهلاك الخضار المنتجة محلياً في هونغ كونغ لا تتعدى نسبته 3 في المئة، بحسب الأرقام الرسمية.