وضع البطريرك الماروني بشارة الراعي زيارته منطقة عكار (شمال لبنان) امس، «تحت حماية سيدة الانتقال، سيدة عكار التي سبق وحمت هذه المنطقة من تفجيرات كانت تهيؤها أيادي الشر والضمائر الميتة»، في إشارة غير مباشرة إلى ملف توقيف الوزير السابق ميشال سماحة على خلفية الادعاء عليه ورئيس مكتب الأمن الوطني في سورية اللواء علي مملوك وضابط آخر في الجيش السوري اسمه عدنان، ب «بتأليف عصابة للنيل من سلطة الدولة اللبنانية وهيبتها ومحاولة القيام بأعمال إرهابية بواسطة زرع عبوات ناسفة ومتفجرات بقصد اغتيال شخصيات سياسية ودينية في لبنان». وأحيطت زيارة الراعي العكارية، التي تمتد 4 أيام وكثرت محطاتها في اليوم الأول، في القرى والبلدات التي خرجت لاستقباله، بتدابير أمنية مشددة اتخذها الجيش اللبناني، الذي أوضحت قيادته - مديرية التوجيه أن «سلسلة تدابير أمنية تواكب استقبالات الأهالي والاحتفالات الشعبية والدينية التي ستجري خلال هذه الزيارة»، ودعت قيادة الجيش «المواطنين إلى التزام إرشادات القوى العسكرية وتوجيهاتها، تسهيلاً لبرنامج الزيارة وحفاظاً على الأمن والسلامة العامة». محطات الزيارة وبدأ الراعي زيارته الراعوية إلى عكار بمحطة في «مركز الأبحاث العلمية الزراعية في العبدة» حيث كان في استقباله حشد سياسي إلى جانب فاعليات المنطقة وأهاليها. وحضر نواب المنطقة: خالد ضاهر، هادي حبيش، نضال طعمة، خالد زهرمان خضر حبيب ورياض رحال، النائب السابق مخايل الضاهر، مفتي عكار الشيخ أسامة الرفاعي وقيادات عسكرية ورجال دين. ورحب حبيش بالراعي «في أرض الجيش اللبناني»، قائلاً: «هذا الحشد نموذج للوحدة الوطنية، وإن إصراركم على زيارة عكار وتحملكم المخاطر الأمنية للزيارة ومشقاتها يدل على محبتكم لجميع أبناء المنطقة وتأكيد منكم على رعاية الموارنة في كل المناطق». وأكد ضاهر «الالتزام بالثوابت الوطنية التي نلتقي بها مع بكركي في حماية الوطن». ولفت إلى أن «هناك من يريد الفتنة بين المسيحيين والمسلمين، لكن فشلت مؤامرة المتآمرين وانكشف زيف مدعي الحرص على المسيحيين. نحن مأمورون شرعاً أن نكون يداً واحدة من أجل لبنان نؤكد التزامنا بلبنان أولاً، وإننا ملتزمون المناصفة ومتمسكون بالوجود المسيحي في لبنان وعدو المسيحيين والمسلمين هو الأنظمة الإجرامية». وقال: «زيارتكم صفعة على وجه من أراد أن يزرع الشقاق بين اللبنانيين»، منوهاً بدور الجيش والأجهزة الأمنية في حماية لبنان. ورحب المفتي الرفاعي بالزيارة التي تأتي «في مرحلة دقيقة يمر بها الوطن»، وقال: «هذه عكار حاضنة الجيش، العيش المشترك فيها تجسد، إذا أحبت أكرمت إن كرهت عفت ومن حرمانها أعطت الوطن». وطالب بالإنماء، وقال: «أمنياتنا كثيرة فعسى أن تكونوا فأل خير تدفن معه الفتن». كلمة الراعي وشكر البطريرك الراعي مستقبليه «في هذه المنطقة العزيزة على قلبي وقلب الكنيسة. فهي رمز العيش المشترك، الغني بمكوِناته الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية، ورمز الولاء للبنان ومؤسساته العامة ولا سيما للجيش وسائر المؤسسات العسكرية والأمنية، ورمز الشهادة لهذا الولاء بالاستشهاد، وهي مع ذلك المنطقة الأكثر فقراً وحرماناً اقتصادياً وإنمائياً. وفي الوقت نفسه المضيافة التي تستقبل النازحين السوريين وتتضامن معهم إنسانياً وروحياً وفوق ذلك، هي المنطقة التي تتأذى من سقوط القذائف السورية على أطراف أرضها. فلا بد من حمايتها لتكون أرض السلام والتلاقي». وشكر «مؤسسة الجيش وسائر القوى الأمنية التي تواكب هذه الزيارة، بل كل الأشخاص واللجان والمؤسسات التي حضرت لها». وخاطب الحضور قائلاً: «نأتي إلى منطقة عكار، كأرض سلام وتفاهم وتعاون واعتدال، لا كأرض حرب ونزاع وتنافر وتعصب. ففيها نجدد الولاء الكامل للبنان والالتزام معاً بالميثاق الوطني، ميثاق العيش المشترك الإسلامي - المسيحي، القائم على التضامن والتعاون في تعزيز دولة المؤسسات والقانون، دولة مدنية تفصل بين الدين والدولة، تحترم جميع الطوائف والمذاهب، وتضمن ممارسة العبادة وحرية الضمير، ميثاق قائم على التزام لبنان بالقضايا العربية المشتركة، المتعلقة بالسلام والترقي ونشر القيم الإسلامية والمسيحية والانفتاح على إيجابيات الحداثة والعولمة، وبقضايا العدالة والسلام في إطار الأسرة الدولية وشرعيتها، مع تحييد لبنان العسكري عن المحاور والتحالفات الإقليمية والدولية، ميثاق قائم على صيغة المشاركة المتساوية والمتوازنة في الحكم والإدارة، على أساس من الكفاءة والنزاهة وحاجة المؤسسات، بعيداً عن تسييس الإدارة وممارسة المسؤولية العامة، وعن تلوينها مذهبياً أو سياسياً». وطالب الراعي الدولة «بالمزيد في تأمين حقوق أهلها، الذين لا يتخلفون عن واجباتهم»، وأضاف: «الجماعات المسيحية والإسلامية المتنوعة الطوائف والتي تشكل نسيج محافظة عكار، هي ثروة لإحياء منطقتكم، لا عقبة تعطل أو تعرقل نموها. ضعوا هذه الثروة على طاولة الحوار في ما بينكم. ومعكم نتمنى بل نطالب الذين شرفهم رئيس الجمهورية بدعوتهم الشخصية إلى طاولة الحوار الوطني، بأن يجلسوا بروح المسؤولية والتجرد إلى هذه الطاولة، ويطرحوا المسائل الجوهرية المتعلق بها نهوض لبنان، واستعادة دوره ورسالته». وانتقل الراعي إلى دار مطرانية عكار حيث استقبله المطران باسيليوس منصور ممثلاً البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم وعدد من المطارنة ورئيس دائرة الأوقاف الإسلامية الشيخ مالك جديدة، والمدير العام ل «مؤسسة فارس» العميد وليم مجلي. وبعد الصلاة ألقى المطران منصور كلمة أكد فيها أن «العكاريين الأصليين يرفضون أن يكونوا عبيداً للحرف والناموس، وعكار فخورة بالجيش والوطن وتنتظر هذه المحافظة من غبطتكم العمل على تحرير قرارات صيرورتها من عبودية البيروقراطية وناموس النزاعات الحزبية والطائفية المسيطرة على الوضع السياسي». ورد الراعي بكلمة طالب فيها «الدولة أن تسرع في إصدار مرسوم المحافظة الإدارية بكل هيئاتها وهيكلياتها». ثم انتقل إلى رعية مار جرجس المارونية في حلبا واستقبله كاهن الرعية الخوري دانيال شديد، وألقيت كلمات الترحيب وجدد الراعي «رفع الصوت إلى جانب حقوق أبناء عكار ومطالبهم». وشكر «الأجهزة الأمنية سياج الوطن وحامية الاستقرار فيه». والمحطة الرابعة كانت في دائرة الأوقاف الإسلامية في حلبا حيث خاطبه رئيس الأوقاف الشيخ مالك الجديدة بالقول: «كنا وسنبقى معاً تحت مظلة العيش الواحد فالسلام وزيارتكم أوصدت أبواب الفتنة التي كان يراد لها أن تسرح على أرض لبنان». وأعرب الراعي عن «التزامنا بالعيش الواحد ونتطلع إلى هذا العيش أكثر من أي يوم مضى، وفي زمن يشهد صراع الأديان والحضارات ويتكلم فيه العالم عن ربيع عربي نرجوه ربيعاً لكل بلداننا العربية الشقيقة ولبنان جزء لا يتجزأ من الأمة العربية. نتمنى للجميع ربيعاً حقيقياً يبلغون فيه إلى ما يصبون إليه من تجدد، ولكن بعيداً عن العنف والحرب والدمار». وفي ساحة بلدة ببنين، أقيم للراعي استقبال حاشد، وألبس عقداً من الزهور كما تسلم مسبحة من أحد أبناء البلدة. وحمل رسائل إلى المسؤولين «من أجل إنصاف عكار وإعطائها حقوقها». وألقى المفتي الرفاعي كلمة جدد فيها الترحيب بالراعي في ببنين «بوابة عكار الوفية للبنان والتي احتضنت الدولة عندما كان مشروعها يقوض، وهي جادت بأبنائها في معارك الحفاظ على وحدة لبنان، لا تمل ولا تكل من التضحيات». ووصف الراعي في كلمته البلدة «بأنها تمثل صورة عن لبنان الذي نريده بعيشنا المشترك». وتكررت مظاهر الحفاوة في استقبال الراعي في بلدتي برقايل وقبيعيت في منطقة جرد عكار حيث أكد رئيس بلديتها أحمد درويش أن «عكار لم ولن تكون يوماً موقعاً أو مصدراً للإرهاب». وكانت للراعي محطة في بلدة حرار ثم قرية القريات ثم بلدتي رحبة وبينو حيث تفقد المركز الصيفي لمطرانية الأرثوذكس، وفرع جامعة البلمند. واقام نائب الرئيس السابق لمجلس الوزراء عصام فارس (الموجود في الخارج) ومثله مدير أعماله سجيع عطية، مأدبة غداء على شرف الراعي باسم البطريرك هزيم. وشدد عطية في كلمة فارس على ان رسالة عكار «الوحدة والتضامن بكل اطيافها»، فيما اكد الراعي «ضرورة تحقيق اللامركزية الموسعة القائمة على توسيع عادل وسليم بين الدولة المركزية والوحدات المحلية»، ودعا الى العمل «مع الاسرة الدولية على اعلان حياد لبناني الايجابي بجيث يتحرر من الدخول في محاور واحلاف اقليمية ودولية». وسلك موكبه الطريق العام إلى مجدلا - الحميرة، ثم رعية سيسوق فرعية قلود الباقية ورعية بقرزلا، المحطة الأخيرة في اليوم الأول من الزيارة حيث أزاح الستار عن لوحة للشهداء.